strong>بعد خسائر وخطط إنقاذ بتريليونات الدولارات، تنبّهت الولايات المتّحدة إلى ضرورة تعديل قوانينها الرقابيّة وكبح جماح الأسواق في عالم المال والأعمال. وآخر ترجمة لذلك التوجّه كان ما طرحته الإدارة الاميركيّة أمس: خطط لإعادة إنتاج نظام الرقابة الماليّة تعكس «أوسع عملية إصلاح ماليّ منذ ثلاثينيات القرن الماضي» بحسب الرئيس باراك أوباما
«إعادة هيكلة» لآليّات الرقابة على النظام المالي في الولايات المّحدة، لعلّ هذا التعبير هو الأفضل لوصف الخطة التي تطرحها إدارة الرئيس باراك أوباما لرفع مستوى الرقابة في قطاع المال بعدما أدّى تفلّت الممارسات من الأحكام الصحيّة وإنتاج الأدوات الماليّة المركّبة والمعقدة واستخدام المشتقّات الماليّة بطرق «سحريّة» إلى تراكم الأخطاء في «وول ستريت» وانفجار فقاعة الرهون العقاريّة كلياً في خريف عام 2008.
الخطة طموحة وتعدّ جيّدة ليس فقط للولايات المتّحدة، بل للعالم بأسره، الصناعي والنامي، نظراً إلى الارتباطات المعقّدة التي تفرضها العولمة الماليّة بين مراكز النظام وأطرافه. وبحسب الملاحظات التي نشرها البيت الأبيض، أمس، فإنّ أوباما يعتبرها مجموعة إصلاحات هي الأكثر جذريّة منذ تلك التي وضعها الرئيس الراحل فرانكلين روزفلت في ثلاثينيّات القرن الماضي بعدما أدّت الأزمة الماليّة إلى الركود العظيم. فتفشّي «ثقافة اللامسؤوليّة» يتطلّب إجراءات جذريّة. وقال أوباما في ملاحظاته: «لسنا نحن من اختار طريقة اندلاع هذه الأزمة. ولكن لدينا الخيار بشأن ما بعد هذه الأزمة». وأضاف «إدارتي تقترح اليوم إصلاحاً شاملاً لنظام الضوابط المالية، تغييراً على مستوى لا سابق له منذ الإصلاحات التي أعقبت الكساد الكبير»، وفقاً لما نقلته وكالة «France Press».
أساس خطّة الإدارة الديموقراطيّة هو الانقضاض على عامل «المخاطرة الفائضة»، من خلال إصلاح سوق الأوراق الماليّة وتغيير نظام التعويضات في المؤسّسات الماليّة والمصارف الكبرى، وضمن ذلك فرض نظام شفافيّة أكبر، إضافة إلى تقديم الهيئات الرقابيّة تقويماً خاصاً للأخطار التي تنشأ من نظام المكافآت. ومن المعروف أنّ المكافآت التي حصل عليها المديرون التنفيذيّون والمسؤولون الكبار في المؤسّسات الماليّة العملاقة في «وول ستريت» أثارت سخطاً كبيراً في الأوساط السياسيّة والشعبيّة. وآخر تلك المكافآت كان ما وزّعته شركة التأمين «AIG»، وبلغ 160 مليون دولار. فتلك الأموال منحت للموظّفين بعدما كانت الشركة قد حصلت على مساعدات فدراليّة وصلت قيمتها إلى 170 مليار دولار لتجنّب الإفلاس.
وسينشأ بموجب الخطة مجلس رقابة يتوقّع أن ينوب عن هيئات رقابيّة أخرى، كما ستحدّد هيئة رقابيّة لحماية المستهلك.
الاحتياطي الفدرالي (المصرف المركزي) الذي يرأسه بن برنانكي، سيكون له دور محوري في تطبيق الخطط المطروحة، فهو سيكون اللاعب الأساسي في احتواء الأزمات الماليّة. فمن خلال تقويم المخاطر عبر الرقابة المستمرّة وخصوصاً على المؤسّسات الماليّة الكبيرة، يمكن تقويم الخطر. والعمل لمواجهة هذا الخطر لن يتطلّب موافقة أو تشاوراً إلزامياً مع مجلس الرقابة.
وهذه الصلاحيّات النظميّة الجديدة الممنوحة للاحتياطي الفدرالي ستترافق مع عمليّة فرض معايير أقسى لتحديد رأس المال المطلوب للمصارف، إضافة إلى تحرّكات لتمتين البنية التحتيّة الأساسيّة للسوق الماليّة.
وعموماً، سيقوم الاحتياطي الفدرالي بالرقابة اليوميّة على كبرى المؤسّسات المصرفيّة القابضة، وقد يصبح الرقيب الأوحد عليها وفقاً لما تنقله صحيفة «Financial Times». كما سيكون منوطاً بالرقابة على الشركات غير المصرفيّة التي تعدّ كبيرة ومعقّدة بمستوى المؤسّسات الماليّة والمصرفيّة.
وفي ما يتعلّق بمتطلّبات رأس المال في المصارف، فمن المرجّح أن تمنح صلاحيّات تحديدها للمصرف المركزي، غير أنّه لن تمنح جميع صلاحيّات الإصلاح النظمي للفدرالي، فهناك اقتراح يقضي بمنح المؤسّسة الفدراليّة لضمان الودائع صلاحيّة لتقويض عمل المؤسّسات الماليّة المهمّة.
وهذه الصلاحيّة ستوسّع نفوذ المؤسّسة لإدارة عمليّة فشل المؤسّسات الماليّة المعقّدة، أي الإفلاس، وهي عمليّة تأمل الإدارة أنّها قد تعالج التداعيات الأخلاقيّة التي نتجت من عمليّة إنقاذ مؤسّسات «وول ستريت» التي تعثّرت جرّاء التعقيدات التي خلقتها.
فناشطو التيّار المناوئ لإنقاذ عمالقة عالم المال هاجموا الإدارة لسعيها إلى إنقاذ المصارف والمؤسّسات العظمى عبر خطّة الإنقاذ المالي التي تبلغ قيمتها 787 مليار دولار. لأنّ تلك المؤسّسات هي من ساهم، عبر تراكم الممارسات الخاطئة، في تشكّل الأزمة.
وعموماً، يعتقد بن برنانكي أنّ صلاحيّات الإصلاحات النظميّة التي ستمنح لمؤسّسته ستؤمّن إمكان تحديد مستوى الإقراض والسيطرة على الفقاعات الائتمانيّة التي ليس بمقدور أسعار الفائدة احتواؤها. غير أنّ مجموعة من المحلّلين يعتبرون أن منح الاحتياطي الفدرالي تلك الصلاحيّات يؤدّي إلى انخراطه في صراعات سياسيّة، وبالتالي فقدان دوره المستقلّ لصياغة السياسة النقديّة.
(الأخبار)


خوف من الدولة

شدّدت مستشارة البيت الأبيض، كريستينا رومر، على ضرورة أن يمرّر الكونغرس خطّة إصلاح النظام المالي لأنّ خيار «الوضع القائم ليس مقبولاً»، فيما لفت زعيم الجمهوريّين في مجلس النوّاب جون بوهمر، إلى أنّه فيما يوافق الحزب الجمهوري على العديد من نقاط الإصلاح المطروحة، إلّا أنّه يخشى من أن تؤدّي الخطّة بمجملها إلى زيادة دور الدولة في الاقتصاد. وقال بوهمر، «إذا تمعّنتم (بالخطّة) فستلاحظون أنّ الحكومة الفدراليّة هي التي ستحدّد الفائدة على بطاقات الائتمان، وستحدّد أنواع المنتجات الماليّة التي ستكون متاحة».