شهد عام 2008 تبخّر ثروات الكثير من أصحاب الملايين والمليارات حول العالم نظراً للانهيارات التي شهدتها البورصات والانخفاض الكبير الذي حصل في قيمة الأوراق الماليّة. وبحسب تقرير أعدّته مؤسّستا «Merrill Lynch» و«Capgemini» فإنّ عدد «الأثرياء» و«كبار الأثرياء» تراجع بنسبة 14.9 في المئة و24.6 في المئة على التوالي بموازاة تراجع حجم ثرواتهم
تقلّصت ثروات أثرياء العالم بنسبة 19.5 في المئة عام 2008 مقارنةً بالعام السابق، لتصبح 32.8 تريليون دولار. فالعاصفة الماليّة التي نتجت من انفجار أزمة الائتمان أطاحت الكثير من استثمارات الأثرياء، أي الذين لا تقلّّ أصولهم عن مليون دولار (باستثناء منازلهم الرئيسية ومقتنياتهم الاستهلاكية) وكبار الأثرياء، وهم الأفراد الذين لا تقل قيمة صافي أصولهم عن 30 مليون دولار.
هذا التراجع غير المسبوق، الذي يركّز عليه التقرير السنوي الـ13 لـ«Merril Lynch» لإدارة الثروات و«Capgemini» قضى على المكاسب التي حققتها تلك الثروات طوال عامي 2006 و2007، وعادت بها إلى مستويات أدنى مما كانت عليه عام 2005.
وفي الشرق الأوسط تحديداً انخفضت ثروات الأثرياء بنسبة 16,2 في المئة إلى 1,4 تريليون دولار، أي أنّ الخسائر بلغت 270 مليار دولار، وانخفض عدد الأثرياء بنسبة 5.9 في المئة ليصل إلى 373.6 ألف ثري. ويعدّ هذا ثاني أبطأ انخفاض بعد أميركا اللاتينية حيث بلغت النسبة 6 في المئة مقارنةً بالعام السابق.
وعانت ثروات كبار أثرياء العالم، بحسب التقرير، خسائر مالية أكبر بكثير مما عانته ثروات الأثرياء مجتمعين، حيث تراجعت أعداد كبار الأثرياء بالتماهي مع تراجع حجم ثرواتهم بنسبة 23.9 في المئةوانخفض عدد الأثرياء في الإمارات والسعودية لكن بنسبة أقلّّ من المعدل العالمي، حيث انخفض العدد في البلد الأوّل بنسبة 12.7 في المئة ليبلغ مجموع عدد الأثرياء فيه نحو 67 ألف ثري، فيما بلغ هذا العدد 91 ألف ثري في السعوديّة متراجعاً بنسبة 10.9 في المئة مقارنةً بالعام السابق. وفي البحرين بلغ عدد الأثرياء 5 آلاف ثري بتراجع نسبته 19.5 في المئة.
وهذا التراجع في دول الخليج، الذي يقارب معدّله الخُمس في بعض الأحيان، يعزوه التقرير إلى انخفاض إجمالي رسملة الأسواق والتراجع الحاد في القيم الرأسمالية والإيجارية للعقارات الخليجية.
وفي تعليقه على التقرير، يقول المدير التنفيذي للخدمات المالية العالمية لشركة «Capgemini» برتراند لافايسيير: «يشير تقرير عام 2008 إلى تحول جذري عن تقاريرنا الصادرة خلال الأعوام القليلة الماضية. وبعد عام تميّز بتقلبات اقتصادية ومالية حادة، نلاحظ تغيراً في أنشطة وأولويات أثرياء وكبار أثرياء العالم». غير أنّه يشير إلى أنّ «الفرصة لا تزال سانحة أمام شركات ومستشاري إدارة الثروات، للاحتفاظ بزبائنهم من خلال التصدي بفعّاليّة لمخاوفهم، ومساعدتهم على تجاوز هذه الظروف الاقتصادية الصعبة».
من جهة أخرى، لا تزال الغالبية العظمى من الأثرياء تعيش حتى الآن، في مناطق تمركزها التقليدية، وخصوصاً في أميركا الشماليّة وآسيا وأوروبا،
وبالتفصيل يوضح التقرير أنّ نحو 54 في المئة من الأثرياء يعيشون في الولايات المتحدة واليابان وألمانيا ارتفاعاً من 53.3 في المئة في العام السابق. واللافت هو أنّ عدد الأثرياء المقيمين في الصين تجاوز عدد المقيمين منهم في المملكة المتحدة، حيث أزاح البلد الشيوعي البلد الأوروبي عن المرتبة الرابعة عالمياً. وقد سُجّل في هونغ كونغ أكبر تراجع على مستوى العالم بنسبة بلغت 61.3 في المئة لينخفض إلى 37 ألف ثريّ فقط.
ولا تزال الولايات المتحدة موطن أكبر عدد من أثرياء العالم رغم تراجع عدد الأثرياء فيها بنسبة 18.5 في المئة، حيث لا يزال يعيش في ربوعها نحو 2,5 مليون ثري يمثّلون ما نسبته 28.7 في المئة من أثرياء العالم. وفي أوروبا تفاوتت نسبة انخفاض عدد الأثرياء بوضوح، حيث بلغت 12.6 في المئة في فرنسا ومجرّد 2.7 في المئة في ألمانيا.
وانخفض عدد أثرياء اليابان، التي تعدّ موطن أكبر عدد من أثرياء منطقة آسيا ـــــ المحيط الهادي بطريقة معتدلة وبنسبة 9.9 في المئة وبطريقة مغايرة للانخفاض الحاد في هونغ كونغ. فيما يعزى الانخفاض في اليابان إلى تباطؤ نمو الاقتصاد الكلي الذي بدأ عام 2007.
وختاماً توقّع التقرير ارتفاع صافي قيمة أصول أثرياء وكبار أثرياء العالم بمعدل سنوي يبلغ 8.1 في المئة، ليبلغ 48.5 تريليون دولار بحلول عام 2013. ويُتوقع أن تتصدّر أميركا الشمالية ومنطقة آسيا ـــــ حوض المحيط الهادي هذا النمو، بحيث تتجاوز حصّة المنطقة الأخيرة حصة أميركا الشمالية عام 2013.
وعزا التقرير سبب هذا النمو إلى ازدياد الإنفاق الاستهلاكي للأميركيين من جهة، وتزايد استقلاليّة الاقتصاد الصيني عن تقلبات أسواق التصدير وتشجيعه للاستهلاك الداخلي، الذي بدأ فعلاً بقيادة ذلك الاقتصاد إلى الانتعاش بعيداً عن الأزمة المالية ـــــ الاقتصاديّة العالمية.
(الأخبار)


حماية لا تعظيم

قلَّص أثرياء العالم انكشاف محافظهم الاستثمارية على الأسهم عام 2008، واتجهوا إلى الأصول الأكثر أماناً وبساطة، حيث زادوا حصة الأدوات الاستثمارية الثابتة العائدات والنقد والأصول السائلة من تلك المحافظ. كما خصصوا مبالغ أكبر بقليل للأصول العقارية، التي ارتفعت حصتها في المحفظة الإجمالية للأثرياء إلى 18 في المئة، بزيادة بنسبة 4 في المئة. وبحسب رئيس دائرة الشرق الأوسط لإدارة الثروات العالمية في «Merrill Lynch»، أمير صدر، فإنّ الجهود عام 2008 «تركّزت على حماية قيمة الأصول من التآكل والخسائر، لا على تعظيم قيمتها».