حدثان بارزان متعلّقان بالأزمة الماليّة يطبعان التطوّرات في الولايات المتّحدة حالياً: الأوّل هو زيادة عدد المصارف المفلسة لعدم تمكّنها من مواجهة الجوانب السلبيّة للتيّار المسيطرة منذ الخريف الماضي، لتكتمل عمليّة التصحيح التي يديرها الاحتياطي الفدرالي ووزارة الخزانة. والثاني هو خضوع المستثمر «المحتال بـ65 مليار دولار» للمحاكمة اليوم
واشنطن ــ محمد سعيد
أعلنت الحكومة الأميركية في وقت متأخر من يوم الجمعة الماضي، أنّها صادرت جميع أملاك رجل الأعمال برنارد مادوف المتهم بعملية احتيال كبرى، الذي من المتوقع أن يُحكم عليه اليوم بالسجن 150 عاماً. وستجبر هذه التطوّرات زوجته روث على التنازل عن منازل وأملاك بقيمة ملايين الدولارات. وأظهرت وثائق المحكمة أنّ برنارد وروث مادوف سيتنازلان عن أيّة مطالبة بنحو 80 مليون دولار من الأملاك، وتتضمن 60 مليون دولار على شكل سيولة وثلاثة منازل تبلغ قيمة الواحد منها حوالى 7 ملايين دولار.
وستحصل الحكومة الأميركية على 1.48 مليون دولار من بيع منزل مادوف، الذي كان يرأس بورصة «Nasdaq» في نيويورك، في فرنسا إضافة إلى الأثاث والأعمال الفنية والمجوهرات وغيرها من المقتنيات التي تصل إلى نحو 63 مليون دولار. وسيخسر مادوف وزوجته قروضاً بمئات ملايين الدولارات منحوها لأفراد من العائلة وأصدقاء وموظفين.
وحثت النيابة العامة في نيويورك القاضي دني تشن على سجن مادوف 150 عاماً بعدما اعترف بارتكابه 11 جريمة بينها الاحتيال وتبييض الأموال والتزوير وتضليل لجنة الأوراق المالية والبورصة المسؤولة عن مراقبة السوق المالية الأميركية وغيرها من الجرائم.
ووفقاً لقانون الجرائم الأميركي الفدرالي، يجب على المدان أن يخدم 85 في المئة من حكمه بالحدّ الأدنى وأن يُظهر خلال هذه الفترة سلوكاً جيّداً. وإذا صحّت التوقّعات بأنّ فترة الحكم ستكون على الأرجح 20 عاماً، فإنّ المحتال المالي سيُسجن 17 عاماً ليخرج عمره 88 عاماً في سنة 2026.
وقد بلغ حجم الأموال التي استولى عليها مادوف بطرق احتيالية، وتحديداً عبر مخطّط استدانة هرميّة يسمّى «Ponzi Scheme»، نحو 65 مليار دولار، وهي أموال تابعة لمستثمرين عاديّين ولعدد من المنظمات والجمعيات الأميركية التي كان عضواً في مجالس إداراتها وأعلنت في ما بعد إفلاسها. غير أن أوراق المحكمة تشير إلى أن المبلغ الذي تطالب به مادوف هو 177 مليار دولار الذي يرتبط بعملية الاحتيال، لا الـ65 مليار دولار المسروقة أو التي استولى عليها.
ومعروف عن مادوف أنه ظل لعشرات السنين من الشخصيات البارزة في «وول ستريت»، حيّ المال في نيويورك، ووجهت إليه تهمة الاحتيال المالي واعتُقل في 11 كانون الأوّل من العام الماضي على يد مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI) للتحقيق معه في مخالفاته المالية.
على صعيد آخر، لكن أيضاً في إطار الأزمة الماليّة التي كشفت ممارسات مادوف وأمثاله كآلان ستانفود، انضمت خمسة بنوك أميركية جديدة إلى سلسلة المصارف التي أعلنت إفلاسها منذ بداية العام الجاري بسبب الأزمة المالية العالمية، وقالت المؤسسة الاتحادية الأميركية لضمان الودائع إن العدد الإجمالي للبنوك التي أفلست حتى الآن بلغ 45 بنكاً.
ومن بين البنوك الخمسة «Community Bank of West Georgia» الذي تبلغ أصوله نحو 199.4 مليون دولار وودائعه 182.5 مليون دولار.
كذلك أعلنت السلطات في ولاية جورجيا إغلاق «Bank Neighborhood Community» الذي يملك أربعة فروع في اليونان، وسيشتري مصرف «Charter Bank of West Point» ودائع البنك البالغة 191.3 مليون دولار، وغالبيّة أصول البنك البالغة 221.6 مليون دولار. وبهذا يصل عدد البنوك التي أفلست في جورجيا هذا العام إلى 9 بنوك.
وفي ولاية مينيسوتا أغلق مصرف «Horizon Bank of Pain City» الذي اشترى ودائعه البالغة 87.6 مليون دولار مصرف «Stearns Bank»، كذلك وافق على شراء 84.4 مليون دولار من الأصول البالغة 87.6 مليون دولار، وستتكفل مؤسسة ضمان الودائع بباقي الأصول.
وتبع «MetroPacific Bank» في كاليفورنيا البنوك المنهارة وأغلق الجمعة، ليتكفل «Sun West Bank of Tustin» بشراء أصول البنك البالغة 80 مليون دولار، وودائعه البالغة 73 مليون دولار.
وفي وقت متأخر من يوم الجمعة، أعلنت السلطات الأميركية إغلاق «Merrill Bank of Los Angeles»، وسيُعاد اليوم افتتاح فروع البنك الخمسة كفروع جديدة لـ«Wilshire State Bank» ويملك البنك المفلس أصولاً بقيمة 456 مليون دولار، وتبلغ قيمة ودائعه 362 مليون دولار.
وتكفل «Wilshire State Bank» بشراء 449 مليون دولار من أصول البنك، فيما ستتكفل مؤسسة ضمان الودائع بالباقي.
وخسرت مؤسسة ضمان الودائع أمس بسبب البنوك الخمسة المفلسة حوالى 264.2 مليون دولار، ليصل مجموع خسارتها منذ بداية العام إلى نحو 11.94 مليار دولار، مقارنة بنحو 17.6 مليار دولار طوال العام الماضي.


استدانة لانهائيّة

لم يستثمر برنارد مادوف، بحسب اعترافاته، سنتاً واحداً في الأسواق الماليّة من مليارات الدولار التي مرّت عليها خلال 3 عقود من مخطّطه الاحتيالي، بل وضع الأموال في حساب في مصرف «Chase Manhattan». واستخدم الرصيد في ما بعد لتسديد المستحقّات للمستثمرين في مخطّطه الهرمي. هذا المخطّط يقوم على مبدأ الاستدانة اللانهائيّة، حيث يعمل مديره على جذب أكبر عدد من المستثمرين بإغراءات كثيرة ويدفع الأموال، وهي طبعاً العائد على الاستثمار الأساسي للأقدمين من أموال المستثمرين الجدد وهكذا تستمرّ الحلقة.