تواجه الإمارات، صاحبة ثاني أكبر اقتصاد عربي وثالث أكبر مصدّر للنفط عالمياً، استحقاقات ضخمة على صعيد إنعاش اقتصادها تماهياً مع تداعيات الأزمة الماليّة العالميّة. وآخر ردودها في ما يتعلّق بسوق العقارات، الذي انفجرت فقاعته أخيراً، ولموجة الهجرة المعاكسة، قرار يجيز لملّاك العقارات الأجانب «المميّزين» البقاء 6 أشهر في البلد، تجدّد من بعدها الإقامة
دبي ــ جمال محمد
تأثيرات الأزمة المالية العالمية على سوق العقارات في الإمارات التي تظهر على شكل ركود في السوق بعدما كان العقار يباع مرات عديدة قبل إنجازه في إطار عمليّات تداول «عقار الورق»، دفعت بالدولة إلى التفكير بمرونة أكبر، حيث سمحت للذين يملكون بيوتاً أو شققاً في الإمارات بالحصول على تأشيرة زيارة مدتها 6 أشهر تسمح لصاحب العقار بالدخول مرّات عديدة، تجدّد بعد انقضائها أوراق الإقامة.
القرار الجديد الذي أصدره وزير الداخلية، الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، والمتمثل بتأشيرة «زيارة لسفرات عديدة»، وضع حداً لمطالبات البعض بإقامة دائمة للملّاك الأجانب، وتضمّن مجموعة من الشروط والمعايير تنطبق على المشتري أهمها أن يكون العقار مبنياً وثمنه لا يقل عن مليون درهم (272.4 ألف دولار).
وذكر بيان صادر عن مكتب وزير الداخلية أنّ القرار يأتي في إطار مساعي الحكومة الاتحادية إلى إيجاد التشريعات اللازمة لتعزيز البيئة الاقتصادية المحلية وتوفير كل المقوّمات التي من شأنها ضمان أعلى مستويات النمو والازدهار، بما يتماشى مع احتياجات السوق المحلية وخدمة الصالح العام.
ووفقاً للقرار، ستُضاف فقرة جديدة إلى المادة (33) من اللائحة التنفيذية لقانون دخول الأجانب وإقامتهم، ونصها:
«تكون مدة البقاء في الدولة بالنسبة إلى ملاك العقارات المبنية ستة أشهر من تاريخ دخول الدولة. وعند انتهاء هذه المدة، يلتزم مالك العقار بالعودة إلى بلده أو إحدى دول مجلس التعاون، ويجوز له دخول الدولة مرة أخرى بعد التأكد من توافر الشروط المطلوبة». ويشترط لصدور هذه التأشيرة أن يكون العقار مبنياً، ولا تشمل هذه الحالة ملّاك الأراضي الفضاء، والحصول على شهادة ملكية العقار من الجهة المختصة بالتسجيل العقاري في الإمارة إلى جانب أن يكون العقار، سواء كان منزلاً أو شقة، مملوكاً بالكامل لصاحب الشأن.
وتشترط المادة نفسها أن يكون المبنى قابلاً للسكن ويتناسب مع عدد أفراد الأسرة، حيث سيجري التأكد من ذلك من خلال إدارات الجنسية والإقامة في الدولة. وتجيز هذه المادة أن يشمل الإذن الزوجة والأبناء، في الوقت الذي تشترط فيه إرفاق طلب الضمان الصحي الشامل والصالح لمدة البقاء في الدولة سواء لمالك العقار أو زوجته أو أبنائه.
وتضمنت الشروط أن يكون لصاحب العقار دخل ثابت لا يقل عن 10 آلاف درهم (2700 دولار) أو ما يعادلها بالعملات الأجنبية، سواء داخل الدولة أو خارجها، فيما لا تعطى التأشيرة الحق للمالك في العمل داخل الدولة. وفي جميع الأحوال يُلغى الإذن إذا لم تتوافر الشروط السابقة.
وقال المدير العام لدائرة الأراضي والأملاك في دبي، سلطان بطي بن مجرن، إنّ هذا القرار يسهم بقوة وإيجابية في دعم السوق العقاريّة والعاملين فيها، وينهي مسلسل الكلام الذي دار حول شرعية وكيفية دخول وإقامة ملاك العقار، لتكون الصورة أكثر وضوحاً في شأن عمليات البيع والشراء وضمان حقوق الأطراف.
وأضاف أن هذا القرار وضع نظاماً سهلاً ومرناً لملّاك العقارات الأجانب، يسيرون عليه ويتعاملون معه ضمن الشروط والمحددات التي وضعها، مشيراً إلى أن الدائرة تعمل بالتنسيق مع دائرة الجنسية والإقامة لتطبيق أركان القرار بحذافيره بآلية بسيطة وإلكترونية.
ومن جهته، رأى رئيس جمعية المقاولين، أحمد سيف بالحصا، أنّ التشريعات مهمّة لأيّ مجتمع في العالم، لذلك توليها الإمارات حرصاً دائماً عبر تحديثها وجعلها مواكبة للتطورات ولشرائح المجتمع التي صدرت من أجلها. ولفت إلى أنّ القرار الجديد يأتي في سياق مساعي الحكومة لإيجاد التشريعات اللازمة لتعزيز البيئة الاقتصادية المحلية وفق الرؤية العامّة لإدارة ثاني أكبر اقتصاد عربي يعاني كثيراً، وتحديداً إمارته دبي، من تداعيات الركود العالمي.
وتُثني المؤسّسات الماليّة على القرار الجديد، وفي هذا السياق يقول المصرف الاستثماري المصري، «المجموعة المالية ـــــ هيرميس»، في ورقة بحثية إنّ التشريع الجديد سيوفّر مزيداً من الوضوح في ما يتعلق بالتأشيرات وحقوق الملكية لملّاك العقارات، فهو سيزيد «الشفافية ويعزّز الثقة في السوق وربما يحفّز الطلب بصورة إيجابية».
لكن من بين المآخذ على التشريع الجديد هو حاجته إلى مزيد من التفاصيل المتعلّقة بالعقارات المؤهلة لسريان القرار عليها، فيما سوق العقارات تراجع بنسبة تجاوزت 40 في المئة في دبي بحسب بيانات شركة الاستشارات الماليّة، «Colliers International»، في الوقت الذي تشير فيه بعض التقديرات إلى أنّ الأزمة أدّت إلى تجميد مشاريع تصل قيمتها إلى 350 مليار دولار في الاقتصاد الوطني.


هشاشة الطفرة

تظهر أهميّة القرار الجديد من واقع أنّ الإمارات شهدت خلال العقد الأخير طفرة في سوق العقارات، ما أدّى إلى تكبّد خسائر ضخمة جرّاء الأزمة الماليّة العالميّة، ويوضح هشاشة الاقتصاد عموماً رغم حجمه. فدبي، على سبيل المثال، احتاجت إلى مساعدة فدراليّة لدعم اقتصادها، فيما أبو ظبي تعتمد على عائداتها النفطيّة. من جهة أخرى انتظر ملّاك الوحدات السكنيّة طويلاً تشريعاً يوضح حقوقهم في الإقامة بعدما سمحت معظم الإمارات بالاستثمار. وتجدر الإشارة إلى أنّ كل إمارة تتبع لوائح مختلفة في ما يتعلق بملكيّة الأجانب للعقارات.