بعد «Microsoft» وقعت «Intel» في فخّ القوانين الأوروبيّة التي تحظر المنافسة غير المشروعة. والشركة الأميركيّة مضطرّة الآن إلى دفع غرامة قياسيّة تقارب 1.5 مليار دولار لممارساتها التي «أضرّت بالأوروبيّين»، وهي ستكون مثالاً مرّاً للشركات العملاقة التي تحاول اللعب في ظلّ قوانين السوق الأوروبيّة التي أصبحت أقوى من أمّها الأميركيّة
باريس ـــ بسّام الطيارة
دخل التناول الإعلامي لأرقام بمليارات الدولارات أو اليورو في العادات اليوميّة، وأضحى الرأي العام معتاداً أعداداً متزايدة من الأصفار تتصدر واجهات الإعلام. إلا أن هذه الأرقام كانت تشير إمّا إلى موازنات كبرى أو إلى مساعدات تقدمها الحكومات لإنقاذ شركات ضخمة من الإفلاس. ولكن يوم أوّل من أمس، كان الأمر يتعلق بـ«غرامة» فرضتها المفوضية الأوروبية على شركة «Intel» الأميركيّة العملاقة المصنّعة لشرائح الحاسوب، بلغت ١،٠٦ مليار يورو (١،٤٥ مليار دولار). وقد شرحت المفوّضة الأوروبيّة لشؤون المنافسة ناتالي كرويس بالقول إنّ هذه الغرامة «فُرضت لمحاسبة الشركة على دفع عملائها وزبائنها لعدم شراء منتجات منافستها شركة AMD» التي كانت وراء الدعوى القضائية. وهو تصرّف تعاقب عليه قوانين منع الاحتكار وحرية التنافس الأوروبية الصارمة.
وبالتالي، فإنّ تدبير «Intel»، بحسب كرويس، يحول دون «تنافس حرّ ويقوّض إمكان الاختيار الحقيقي بالنسبة إلى المستهلك»، و«يقوّض مجالات الابتكار والتقدم». كذلك رأت أنّ هذا التصرّف «أضرّ بالملايين من العملاء الأوروبيين عن طريق التصرف عن عمد لإبعاء المنافسين عن سوق الشرائح الإلكترونية لسنوات عديدة».
وبحسب حيثيات القضية، فقد توصلت تحقيقات المفوضيّة الأوروبية بعد تسع سنوات من العمل الدؤوب إلى أن «Intel»، مقرّها الولايات المتحدة، دفعت رشى لمصنّعي أجهزة الكمبيوتر كي يقوموا «بتأجيل أو إلغاء خطط إطلاق منتجات تستخدم فيها الشرائح المصنّعة من قبل الشركة المنافسة AMD»، كما ظهر أنها أجرت «خفوضات سرية غير تجارية وغير مشروعة» ليستخدم المصنّعون الشرائح التي تنتجها بشكل «كلّي وحصري»، كما بدا أنها كانت تدفع بعض التجار إلى الاحتفاظ بـ«أجهزة الكمبيوتر التي تعمل بشرائح Intel فقط».
وتعدّ الغرامة، التي أُرفقت بأمر يفرض على الشركة «التوقف عن هذه الممارسات غير المشروعة» التي وصفتها كرويس بأنها «لا تزال قائمة حتى الآن»، الأكبر التي تفرضها المفوّضيّة الأوروبيّة التي باتت تؤدي دوراً حاسماً في تنظيم الحياة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي. كما تأتي بعد عام واحد على فرض غرامة مقابل ممارسات مماثلة لشركة «Saint Gobain» الفرنسية المتخصصة في صناعة الزجاج، والتي بلغت ٨٩٦ مليون يورو، بينما كانت قد فرضت قبل سنوات حوالى ٥٠٠ مليون دولار على شركة «Microsoft» الأميركية المصنّعة لبرامج الحواسيب، بتهمة «سوء استغلال مكانتها كشركة مهيمنة على إنتاج معين».
ولم تفاجئ هذه الغرامة متابعي أعمال المفوضيّة ونشاطها في مجال ضبط التنافس التجاري. نشاط «يضيّق على الشركات الأوروبيّة» بحسب أحد الخبراء القانونيّين. «فقانون منع الاحتكار الأميركي المنشأ» يطبق في أوروبا أكثر منه في الولايات المتحدة.
وباتت الشركات الأميركية تلجأ إلى أوروبا لمحاربة هيمنة بعض الاحتكارات الكبرى بإضعافها، حيث إن المحاكم الأميركية تتردّد كثيراً في فرض غرامات كبرى. ويذكر الجميع أن إدارة الرئيس الديموقراطي بيل كلينتون كان قد بدأت تحقيقاً بخصوص تصرف «Microsoft» الاحتكاري، قبل أن يعمد جورج بوش الابن إلى وقف الملاحقات، فما كان من شركة «Oracle» المنافسة إلّا أن لجأت إلى السلطات الأوروبيّة ورفعت دعوى مثّلت ضربة ماليّة لشركة بيل غيتس وفتحت باب التنافس بين مشغّل «Windows» وغريمه «Linux».
والجدير بالذكر أن شركة «ADM» هي أميركية تأسست عام ١٩٦٩ وكانت تعمل لمصلحة «Intel» قبل أن تستقل وتبدأ بالمنافسة، حتى وصلت حصتها إلى نسبة ١٥ في المئة من السوق (حوالى ٣ مليارات دولار) بينما تصل حصة «Intel» إلى ٢٢ مليار دولار.
تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنّ قوانين تشجيع التنافس ومحاربة الاحتكار باتت تمثّل هيكليّة القوانين التجارية في الدول النامية، وتبدو من الوهلة الأولى سهلة وبسيطة إذا استندنا إلى تعريف الاحتكار والمنافسة الحرة. إلا أن تشابك الصناعات وتداخل التسويق وطرق دراسة السوق والإعلان دفع بهذه القوانين إلى أحضان الدراسات الاقتصادية البحتة.
فقاعدة فتح التحقيق في مخالفة ما تبدأ دائماً بدراسة «حصص السوق» والتي على أساسها يتقرّر ما إذا كان هناك احتكار أو لا. وتحاول هذه القوانين ردع الشركات عن الهيمنة على الأسواق والإمساك بتلابيب المستهلك عبر حصر إمكان اختياره بحرية للسلع التي يحتاج إليها. ويرى الليبراليون أن هذه القوانين مهمة جداً لأنها تدافع عن السوق الحرة وتدحض تهمة الاحتكار وتوفّر استمراريّة التقدّم وابتكار سلع وتقنيّات جديدة في ظلّ منافسة مشروعة.


لامبالاة أوستراليّة!

حتّى الآن لم ترفع «AMD» شكوى ضدّ ممارسات «Intel» في أوستراليا غير أنّها لا تنفي أنّها يمكن أن تقوم بهذه الخطوة في المستقبل، وفقاً لما ينقله الموقع الإلكتروني الأوسترالي «Znet». ولكن فيما تشهد أعمال الشركات العملاقة عبر الأطلسي ضغوطاً في إطار مواجهة الممارسات غير المتماهية مع مبادئ السوق الحرّة، لم تسجّل في أوستراليا أيّة حادثة في هذا السياق، على الرغم من علاقاتها الجيّدة مع أوروبا والولايات المتّحدة في ما يتعلّق بتحديد مفاعيل هذه القوانين، وإبرامها اتفاقاً مع الأخيرة لتبادل المعلومات عن المنافسة غير الشرعيّة.