وصف مؤتمر الأمم المتّحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD) في تقرير نشره في آذار الماضي الأسواق الماليّة والتداولات فيها، بأنّها «كازينو كبير» يجب تغيير قواعد قوننته. فالكازينو تحوم حوله تقليدياً تهم الفساد والأموال المشكوك في شرعيّتها، لكن حتّى هذا النموذج من مؤسّسات الألعاب، التي تبغي الربح السهل طبعاً، لم يسلم من الأزمة الاقتصاديّة
حسن شقراني
تشير منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية في تقارير نشرتها في مناسبات مختلفة، وآخرها كان غداة قمّة مجموعة الدول العشرين الكبرى في لندن بداية نيسان الماضي، إلى أنّ الحجم الإجمالي للأموال المودعة في حسابات سريّة بهدف التهرّب الضريبي يتراوح بين تريليوني دولار و10 تريليونات دولار. وتلك الحسابات مثيرة للجدل من منظورين:
الأوّل، هو أنّها تعوق عمليّة تطبيق معايير الشفافيّة بالنسبة إلى تقويم حجم المداخيل ومصادرها عالمياً. والثاني هو أنّ تلك الأموال قد تستثمر في «قطاعات» اقتصاديّة غير شفّافة أيضاً، فيما تكون في معظم الأحيان عبارة عن ثروات أمم استغلّها سياسيّون فاسدون لزيادة أرباحهم وتحقيق ازدهار في الأموال المتراكمة للمحسوبين عليهم.
الحسابات منتشرة في مناطق كثيرة، بين موناكو ولوكسمبورغ وليشتنشتاين وموناكو وسويسرا. وهي جزء من الكازينو الضخم الذي تحدّثت عنه الأمم المتّحدة، أي من المنظومة الماليّة العملاقة التي لم تستطع أحكام العولمة اللينة فرض رقابة على حركيّتها وأدّت إلى نشوء الأزمة الماليّة العالميّة وانعكاساتها الاقتصاديّة.
واللافت هنا هو الارتباط بين الكازينوات بصفتها مؤسّسات «رفاهيّة» قائمة وتلك الحسابات «الفاسدة» التي تؤرّق البلدان الصناعيّة وتكبّدها خسائر كبيرة في قوائم ضرائب الدخل. لذا إنّ الإشارة إلى تأثّر الكازينوات بالأزمة القائمة منذ صيف عام 2007، مثيرة إلى حدّ ما.
بداية مع كازينو مدينة القمار لاس فيغاس، العملاق «MGM Mirage»، الذي أعلن في منتصف الأسبوع الجاري أنّه يخطّط لجمع 2.5 مليار دولار عبر إصدار الأسهم والسندات لتغطية جزء من استحقاقات الديون التي بدأت منذ 31 آذار الماضي ويصل حجمها إلى 14.4 مليار دولار. فصاحب أكبر حصص فيه، الملياردير كيرك كيركوريان، يبحث هو وزملاؤه التدابير الأمثل لاحتواء «المرحلة الصعبة» وتجنّب عدم القدرة على سداد المستحقّات، والمراقبون يتطلّعون لما ستطرحه الشركة قريباً على شكل خطط لإعادة هيكلة الأعمال.
وخلال الفترة الأخيرة عانى الكازينو كثيراً في ما يتعلّق بالاتفاقيّة مع شركة «Dubai World» الإماراتيّة لبناء مجمّع «City Center» في لاس فيغاس بكلفة تقارب 9 مليارات دولار. وقد توصّل الفريقان الأسبوع الماضي إلى اتفاق، كان يُخشى من أنّ التزامات التمويل التي كان سيتكبّدها الكازينو في حال عدم إقراره ستؤدّي إلى إفلاس حتمي.
وللمفارقة، فقد حقّقت الشركة المالكة للكازينو في الفصل الأوّل من العام الجاري ربحاً، غير أنّ هذه النتيجة تحقّقت بفضل بيع أصول بينها فندق وكازينو. والواقع هو أنّ حال الكازينوات عموماً تتماهى مع حال معقلها لاس فيغاس التي يحذّر المحلّلون من ارتفاع معدّلات البطالة الحاليّة فيها وإمكان خفض الوظائف مستقبلياً.
وانتقالاً من المدينة الأميركيّة البرّاقة إلى جزيرة ماكاو الخاضعة للسلطة السياسيّة الصينيّة، فقد تكبّد مشغّل الكازينو فيها، «Galaxy»، خسارة بلغت 1.5 مليار دولار في عام 2008، وقال إنّ عائداته تقلّصت بنسبة 20 في المئة. لذا فإنّ مخاوف كثيرة تحوم حول قدرة الشركة على دفع المستحقّات عليها، وفي الوقت نفسه تطوير مجمّع «Cotai Mega Resort» الذي تملكه والذي يحتوي على 2200 غرفة، وسيُرجأ افتتاحه حتّى العام المقبل.
والصعوبات التي يمرّ بها هذا الكازينو ستؤدّي من دون أدنى شكّ إلى إلغاء وظائف وطرد عمّال ظنّوا أنّ شبح البطالة بعيد عنهم نظراً لأنّ زبائنهم هم أثرياء العالم وأصحاب حساباته السريّة.
وفي ماكاو أيضاً، أعلنت شركة الكازينو «Las Vegas Sands» أنّها تنوي إلغاء 4 آلاف وظيفة خلال الأشهر القليلة المقبلة، أي ما يمثّل 20 في المئة من قوّة عملها، لخفض الأكلاف واحتواء تراجع وتيرة الأعمال.
وتشغّل الشركة مجمّعان للكازينو في المقاطعة الصينيّة، «Sands Macau» و«Venetian Macau»، وبسبب تراجع الأعمال مع شحّ السيولة وازدياد المنافسة وفرض حظر على استخدام بطاقات الدفع الإلكترونيّة، فإنّ الشركة جمّدت تنفيذ خطط توسيع مشاريعها في ماكاو في وقت متأخّر من العام الماضي.
إذاً فللأزمة وقع على كازينوات العالم مثلما هي الحال في القطاعات الحقيقيّة، لكن الفارق هو أنّ قطاع الألعاب يحتوي على حلقة ماليّة ضخمة جداً يمكن أن يُستغلّ جزء منها في مشاريع اقتصاديّة أكثر جدوى للبشريّة على جميع الأصعدة. وللأسف الجميع مشارك في هذه اللعبة: الخبرة مصدرها الولايات المتّحدة... الأموال تخبّأ في أوروبا... والصين ومقاطعاتها أضحت حيّزاً جغرافياً أساسياً.


حظر الوباء!

مرّر البرلمان الأوكراني أمس، قانوناً يحظر أعمال القمار في البلد السوفياتي السابق إلى أن تُنقَل آلات الألعاب إلى منطقة قانونيّة عند ساحل البحر الأسود بعيداً من العاصمة كييف. ووفقاً لما تنقله وكالة «Associated Press»، عن النائب فاليري بيسارينكو، فإنّ «إدمان القمار تحوّل إلى وباء»، وخصوصاً بين الشباب الأوكراني، فيما لا تملك الحكومة رقابة كافية على هذا القطاع. فرغم أنّ رقم أعمال الكازينوات يبلغ 5 مليارات دولار سنوياً، إلّا أنّ الحكومة لا تحصل على عائدات تتخطّى 93 مليون دولار.