strong>شهدت أسواق السلع الأوّليّة والمعادن خلال الفترة الأخيرة انتعاشاً ملحوظاً حيث تجاوز سعر برميل النفط أعلى مستوى له خلال ستّة أشهر ولقي الذهب اهتماماً مثيراً رغم انتعاش مؤشّرات الأسهم. وهذه الحركة الصعوديّة قد تكون أحد أسبابها الإجراءات التي اعتمدتها المصارف المركزيّة حول العالم لمواجهة الركود، وفقاً للتقرير الأخير لمصرف «Credit Suisse»منذ انفجار الأزمة الائتمانيّة كلياً مع إفلاس مصرف «Lehman Brothers» الأميركي في أيلول الماضي، تسعى المصارف المركزيّة الكبرى حول العالم إلى اعتماد تدابير تيسّر عمليّة حصول المستثمرين والمستهلكين على حدّ سواء على السيولة اللازمة بهدف تحفيز الطلب على الأموال ودفع العجلة الاقتصاديّة أماماً.
وبعد استنفاد السبل التقليديّة، وبينها طبعاً خفض أسعار الفوائد، لجأ بعض محافظي بعض البنوك (وعلى رأسها المصرف المركزي البريطاني) إلى اعتماد التسهيل الكمّي. وهي عمليّة تفترض طبع الأموال بمستوى عال لجعل السيولة متوافرة بما هو مطلوب.
واللافت هو أنّه إلى جانب سعيها إلى تحفيز الاقتصاد على المستوى الكلّي، تعمل تلك المبادرات النقديّة الكبيرة التي تقوم بها المصارف على تحسين التوقعات طويلة الأجل للسلع، ولا سيما المعادن النفيسة والسلع الخفيفة، وفقاً للتقرير الذي أعدّه المصرف السويسري «Credit Suiss» ونشر أمس.
ويقول التقرير إنّ سياسات البنوك المركزية وعمليات الشراء الصينيّة الاستراتيجيّة وأنشطة تغطية المضاربات على المدى القصير هي أهم العوامل التي أدت إلى تعزيز أسعار السلع في الآونة الأخيرة. فقد شهدت الأشهر القليلة الماضية ارتفاعاً في أسعار الذهب، مدعوماً بارتفاع الطلب، إذ أصبح ملاذاً آمناً في ظل الأزمة المالية والاقتصادية العالمية.
لكن رغم أنّ تزايد الطلب على الذهب أدّى إلى دعم الأسعار، إلا أنه أدى أيضاً إلى بعض المخاطر التي حدث بعضها بالفعل، وفقاً للتقرير. إذ تبع بعض المستثمرين سياسة جني الأرباح، ما أدى إلى انخفاض الأسعار. فقد وصل سعر الأونصة إلى شباط الماضي إلى ألف دولار، مثل ما حدث في الفصل الأوّل من عام 2008، ومن ثمّ تراجع إلى دون عتبة 800 دولار ليعود ويتجاوز 900 دولار. وقد بلغ 919 دولاراً في جلسة التداول في نيويورك أمس عند الساعة 17:30 بتوقيت بيروت.
من جهة أخرى، أوضح التقرير أنّ انخفاض الأسعار قد منح أسواق المواد فرصة لالتقاط الأنفاس كانت بأمسّ الحاجة إليها، فضلاً عن أن موجة تراجع الأسعار هذه يجب أن تهيّئ الفرصة لدخول مستثمرين المدى الطويل.
ووفقاً لمحلّلة السلع لدى «Credit Suisse» للعمليات المصرفية الخاصة، إيليان تانر، فإنّ «المبادرات النقدية التي تتخذها البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم ستدعم أسعار السلع على المدى الطويل. ومع ذلك، ينبغي للمستثمرين اعتماد استراتيجية استثمار مدروسة بعناية واختيار السلع الأفضل الأقلّ ارتباطاً بالوضع الاقتصادي».
وتشدّد تانر على النهج الانتقائي لاستثمارات السلع، وتؤكّد أن مخاطر هبوط أسعار السلع لا تزال مرتفعة نوعاً ما في ظل غياب علامة واضحة على عودة تسارع النمو الاقتصادي العالمي. ولا يبدو أن أحدث تحرّك من جانب الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة سيساعد في تحقيق إنعاش مطّرد للسلع ككلّ. فخلال العام الجاري، رغم تحسّن بعض المؤشّرات في قطاعات عديدة، لا يزال صندوق النقد الدولي يتوقّع أنّ الاقتصاد العالمي سينكمش بنسبة 1.3 في المئة، على أن يعود الانتعاش النسبي في عام 2010، مع توقّع تسجيل نسبة نموّ تبلغ 1.9 في المئة.
والارتباط الوثيق بين أسواق السلع الذي تزايد بشدّة خلال الأزمة الماليّة «بدأ بالتراجع» بحسب تانر، التي تضيف أنّ ذلك يشير إلى أن «عمليات البيع العامة التي اجتاحت الأسواق بغض النظر عن عواملها الأساسيّة، بدأت تتوقف. وسوف يشهد القطاع مرحلة توطيد طويلة قبل أن يتمكن من استئناف حيويته. وينبغي أن تكون أسواق المعادن النفيسة والسلع الخفيفة أول المتعافين. ويجب أن تستفيد أسعار الذهب من ضعف الدولار وانخفاض أسعار الفائدة الحقيقية وارتفاع توقعات التضخم».
فالتقرير يلفت أيضاً إلى السلع الخفيفة كقطاع آخر يدعو للاهتمام، إذ من المحتمل أن تشهد زيادة في الأسعار. ويرجع هذا إلى إمكان أن يقلل المزارعين حجم زراعاتهم، بعد انخفاض الأسعار الذي شهده العام الماضي. وكما سجل العام الماضي فشل المحاصيل في تجديد المخزونات، فإن الأسعار سترتفع لتشجيع المزارعين على إنتاج المزيد.
وعن سوق النفط، يرى التقرير أنّ الأسعار فيها وسط تقبل المستثمرين للمزيد من المخاطر. ومع ذلك، فإن السوق لا تزال تعاني من مخزون كبير يقدّر في الولايات المتّحدة فقط بـ370 مليون برميل بحسب وزارة الطاقة الأميركيّة.
أمّا في قطاع المعادن الأساسية، فإن معظم الأسواق تعجّ بها ومخزوناتها تتزايد بسرعة. ومن هنا فقد توقع التقرير مزيداً من التراجع في هذا القطاع.
(الأخبار)


تقلّبات مناسبة

بانتظار اجتماع منظمة الدول المصدّرة للنفط «أوبك» في فيينا في 28 من الشهر الجاري، تزداد التصريحات من جانب البلدان المنتجة بشأن الأسعار المثاليّة. وآخر تلك التصريحات كان للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي قال أمس، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء الإيرانيّة، «مهر»، إنّ طهران ترى أنّ سعر الوقود الأحفوري بين 80 دولاراً و90 دولاراً للبرميل «مناسب في ضوء الظروف العالمية الراهنة والتقلبات في أسعار الصرف العالميّة». وانتعش سعر البرميل من 32.4 دولاراً في كانون الأوّل الماضي إلى أكثر من 60 دولاراً في 12 من الشهر الجاري.