قدّم رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة ميغيل ديسكوتو بروكمان ورقة لخّص فيها نتائج مؤتمر الأمم المتحدة بشأن وقع الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية على التنمية في الدول النامية والفقيرة. هذه الورقة تُبحث في إطار المفاوضات بين الحكومات التي بدأت في نيويورك أمس، وتركّز على ضرورة خطّ استراتيجيّة «أمميّة» لمواجهة تقلّبات العولمة
نيويورك ــ نزار عبود
صاغت الأمم المتّحدة ورقة بحثيّة اقتصاديّة تُعدّ للقمة العالمية التي تبحث في الأيام الثلاثة الأولى من حزيران المقبل كيفية معالجة الأزمة المالية العالمية الراهنة، وستحضرها 192 دولة، وستكون القمّة الأولى من نوعها في التاريخ لتمثّل ردّاً ديموقراطياً على مجموعة الثماني ومجموعة العشرين.
الورقة التي شارك في وضعها 20 خبيراً مالياً دولياً، على رأسهم الاقتصادي الأميركي الحائز جائزة «نوبل» جوزف ستيغلتز، وصفت الأزمة بأنّها الأشدّ عنفاً في التاريخ المعاصر منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، واتهمت العولمة بأنها كانت المسؤولة عن تسريع وتيرة التدهور وتوسيعها.
وحذّرت من أن الاستقرار والأمن الدوليين والرخاء البشري في خطر، وأنها لا تنفصل عن الواقع المادي للمجتمعات، إذ هناك «مئات ملايين البشر من كل أنحاء العالم يفقدون وظائفهم ومدخراتهم ومساكنهم وموارد أرزاقهم». والفقر يتفشّى في أبشع أشكاله، مهدداً كل إنجازات البشرية، ومعرّضاً «مليار نسمة لخطر سوء التغذية المزمن».
ومع تعدّد العوارض، من معدّلات بطالة وتراجع النموّ والتجارة الدوليّة... يتضاعف الشعور بعدم الثقة بالنظريات والخبرات، والشعور بالضياع في متاهة العالم المالي المتبدّل.
ولذا تطرح الورقة «أساليب الردّ»، وتحذر من أن الشعوب الأضعف اقتصادياً ستكون الخاسر الأكبر نتيجتها. ومن العلاجات التي تراها مناسبة ضرورة إعادة الاستقرار إلى الأسواق المالية في وجه الكساد وتراجع الطلب، وحماية الفقراء والمعوزين، وتوفير صناديق مساندة، وتشجيع التبادل التجاري الحر بعيداً عن الحمائية، ودعم التنمية الخضراء الطويلة الأجل، وإصلاح النظام المالي والاقتصادي العالمي على أسس مختلفة عن النمط الفاشل الذي أدى إلى الأزمة.
وأشارت الورقة إلى أن دول العالم الثالث تفتقر إلى الآليات المساعدة على تحفيز الاقتصاد وإعادة عجلته إلى الدوران، وبالتالي فإنها في حاجة إلى مساندة الدول الأكثر ثراءً في القطاعات الإنتاجية الرئيسيّة. وأثنت على تعهّد قمة مجموعة العشرين في لندن بتوفير 1.1 تريليون دولار إضافية، إلى جانب 850 مليون دولار من خلال المؤسسات المالية الدولية، و250 مليون دولار للتمويل التجاري، وكلها مبالغ ترمي إلى توفير السيولة في الدورة الاقتصادية العالمية على شكل قروض ترفع مستوى الاستثمار وتحرّك التجارة. وطالبتها بتطبيق تعهداتها، لافتة إلى أن 20 مليار دولار فقط منها خصصت للدول الأشد فقراً في العالم.
كذلك طالبت الورقة بتوفير وسيلة إقراض جديدة وسطية بين الدول الغنية والدول الفقيرة، وسيلة تتمتع برقابة ديموقراطية في إدارتها، بحيث تستطيع الدول صاحبة الفائض والدول المصابة بالعجز ممارسة حقها الرقابي. كذلك ينبغي أن يتاح للدول هامش من الحرية في طريقة الرد على الأزمات بدلاً من إعطاء وصفات جاهزة من قبل المؤسسات التقليدية. فالأزمات تركت آثاراً متفاوتة من دولة إلى أخرى.
وحذرت الورقة من عواقب تفاقم مديونيات الدول الفقيرة جرّاء الأزمة الراهنة، وطالبت بإتاحة مرونة إضافية في سداد القروض تكون متناسبة مع مستوى الدخل القومي.
ولم تغفل الورقة ضرورة إصلاح المؤسسات الدولية ومراقبتها من أطراف عديدة، بما في ذلك الدول النامية. وأشارت بصورة خاصة إلى ضرورة مراقبة الأموال المهرّبة من الدول النامية إلى الدول المتقدمة، والتي تتجاوز بأضعاف عديدة حجم المعونات الدولية، لما لها من آثار سلبية على التوازن الاقتصادي في الدول الفاقدة لها.
كذلك طالبت بألا تستخدم الأزمة المالية ذريعة من أجل التملّص من الالتزامات المتعلقة بالطبيعة والبيئة، بما يسمح بإعادة نمو العناصر الطبيعيّة وإصلاح ما أفسدته الصناعة.
وختاماً، شدّد الخبراء الدوليون على ضرورة أن يبادر الأمين العام للمنظّمة الدوليّة، بان كي مون، إلى وضع اقتراح لإنشاء آلية مراقبة المناطق المهددة والردّ على مشاكلها، آليّة ترصد المعلومات بانتظام وتتعامل على أساسها لمعالجة الأزمات في مهدها. وطلبوا منه أن يطلع الأمم المتحدة عليها في موعد أقصاه مطلع تموز المقبل، وأن يصدر تقارير فصلية عن نتائج الرصد ويقدمها إلى الجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة.
وطلب الخبراء من بان أيضاً أن يضع استراتيجيّة مشتركة تحدّد وسائل الردّ على الأزمات الناشئة من أبعاد عديدة، كما حدّدوا مطالب أخرى من الدوائر والوكالات الدوليّة المختلفة، جميعها تركز على أهمية الشراكة الدولية بدلاً من النظام السابق القائم على إملاءات الدول القوية.


ضحيّة بريئة

شدّد مساعد الأمين العام للأمم المتّحدة لشؤون التنمية الاقتصاديّة، جومو كواميه سنودارام، على أنّ «معظم البلدان النامية كان ضحيّة بريئة للأزمة الماليّة، وأيضاً للأزمة الاقتصاديّة الأسوأ التي تبعتها». وقال سنودارام، وفقاً لما نقتله وكالة «Associated Press»، إنّ تلك البلدان تعاني أكثر «نظراً إلى عدم بذل الجهود الكافية لمساعدتها»، فبلدان صناعيّة قليلة «أعربت عن استعدادها لزيادة دعمها للبلدان النامية في هذه الأوقات العصيبة». ولام سنودارام بلدان مجموعة الدول الصناعيّة السبع الكبرى لتأخّرها في صياغة الردّ على الأزمة الماليّة.