strong>بين «السعر العادل» والتطوّرات التي يفرضها الركود العالمي والأنماط الجديدة المسجّلة على صعيد الاستهلاك، أصبحت قيمة الوقود الأحفوري إحداثيّة صعبة التحديد. ولكن رغم التراجع التاريخي المسجّل منذ الصيف الماضي، سيعود نمط الارتفاع إلى سعر النفط حتمياً، والسعوديّة مثلاً تريد 80 دولاراً للبرميل، حتّى قبل بدء انتعاش الاقتصاد العالمي!
رغم اقتناعها في الفترة الأخيرة بأنّ سعر برميل النفط يجب أن يبقى منخفضاً نسبياً في العام الجاري مقارنةً بالمستويات القياسيّة التي سجّلها في العام الماضي، تبدو البلدان المنتجة أكثر تربّصاً بعودة انتعاش الاقتصاد العالمي من أجل المطالبة بحقوقها في أسعار مرتفعة. وعلى رأس المنتجين السعوديّة، المصدّر الأوّل للوقود الأحفوري عالميا، فبعدما رأت أنّ مساهمتها في عمليّة مواجهة التباطؤ الاقتصادي الكوني هي «سعر منخفض للنفط»، تشدّد السعوديّة حالياً على أنّها تريد سعراً أعلى، وفقاً لحديث ملكها، عبد الله بن عبد العزيز، لصحيفة «السياسة» الكويتيّة أمس. فهو قال: «نحن لا نزال نؤمن بأنّ السعر العادل (للنفط) هو بين 75 دولاراً و80 دولاراً للبرميل، وخصوصاً الآن»، مشيراً إلى أنّ الأسعار التي تراجعت من نحو 150 دولاراً في تمّوز الماضي إلى 60 دولاراً، «ستستقرّ في نهاية المطاف عند مستويات أعلى».
وقد سلّمت البلدان المنتجة بتأثير الركود العالمي على سعر سلعتها الاستراتيجيّة. فرغم أنّ الأعضاء في «أوبك» بينها، المسؤولين عن إنتاج 40 في المئة من النفط العالمي، خفضوا الإنتاج بواقع 4.2 ملايين برميل يومياً منذ الخريف الماضي، فإنّ الأسعار بقيت منخفضة.
ويجتمع هؤلاء الأعضاء مجدّداً غداً، في ظلّ تأكيدات على أنّ إنتاجهم سيبقى ثابتاً، وفقاً لما نقلته التقارير الإعلاميّة عن وزير النفط السعودي، علي النعيمي. أمّا بالنسبة إلى زيادة الإنتاج، فهي لن تحدث سوى «عندما نتأكّد أنّ المخزونات الدوليّة تراجعت إلى مستوياتها الطبيعيّة». إذ إن تلك المخزونات كافية لنحو 62 يوماً، والسعوديّة تريدها لـ54 يوماً في الحدّ الأقصى.
وبالفعل، أدّى تراجع سعر النفط دراماتيكياً، حيث سجّل نحو خُمس مستواه القياسي في كانون الثاني الماضي، إلى ارتفاع المخزونات الأميركيّة إلى 370 مليون برميل. وهذا ما يقلق «أوبك»، بل ويزعجها نظراً لأنّ الأسواق تفرض على بلدانها التخلّي عن برامج تنمويّة كثيرة هي بأمسّ الحاجة إليها.
ففي السعوديّة على سبيل المثال، هناك خطّة طموحة لتحفيز المشاريع التنمويّة. ورغم أنّ الملك السعودي يؤكّد أنّ موازنة العام المالي الجاري رصدت زيادة في الإنفاق العام بواقع 10 مليارات دولار، فإنّ تلك الزيادة ستكون مزعجة، حيث تتوقّع بعض التقارير ارتفاع العجز إلى 30 مليار دولار.
وأكثر من ذلك، يؤثّر تراجع الأسعار على الاستثمارات في هذا القطاع، التي يرجّح مدير وكالة الطاقة الدوليّة، نوبوو تاناكا تراجعها بنسبة 21 في المئة خلال العام الجاري. وفي هذا السياق أيضاً، حذّر وزراء الطاقة في مجموعة الدول الصناعيّة الثماني الكبرى (G8) من أنّ الأزمة الماليّة العالميّة يجب ألّا تؤخّر الاستثمارات في قطاع النفط.
وقال الوزراء في بيان أصدروه بعد يومين من المحادثات في روما، إنّ الحكومات والشركات ينبغي أن تخطّ سياسات الاستثمار والطاقة، مع الأخذ بعين الاعتبار المدى الطويل، وضرورة خفض التقلّبات. ووفقاً لما نقلته وكالة «رويترز» عن وزير الطاقة الأميركي، ستيفين شو، «هناك اهتمام متواصل ومتجدّد باستقرار أسعار النفط لكي يكون للاقتصاد العالمي مستقبل مستقرّ».
وبالحديث عن المستقبل، من المؤكّد أنّ الأسعار ستنتعش ريثما تبدأ موجة التعافي الاقتصادي العالمي. وتلك العمليّة ستبدأ عام 2010، في ظلّ احتمالات متفائلة بأنّها ستنطلق في الفصل الأخير من العام الجاري.
وبحسب استطلاع للرأي أجرته «رويترز» فإنّ معدّل سعر برميل النفط الخام في بورصة نيويورك سيبلغ 67.37 دولاراً في العام المقبل، وسيرتفع المعدّل إلى 79.27 عام 2011. ولكن تلك المعدّلات قد تكون أكبر، أو قد تنعكس مستويات أعلى في أسعار مبيع المشتقّات النفطيّة، وتحديداً في بلدان مثل لبنان، حيث تمثّل الضرائب 45 في المئة من سعر البنزين مثلاً.
والعوامل التي ستؤدّي إلى ارتفاع الأسعار هي تحديداً ارتفاع الطلب. فبحسب «مركز الدراسات الطاقة العالميّة»، السبب الكامن وراء ارتفاع الأسعار أخيراً إلى أكثر من 60 دولاراً للرميل هو تقلّص المعروض من جانب «أوبك» بالدرجة الأولى، أكثر منه توقّعات المستثمرين.
ويبدو أيضاً من تقرير المركز أنّ تراجع الطلب سيغدو أقلّ حدّة في الفصول المقبلة. حيث بلغ الانخفاض في الربع الأوّل من العام الجاري 3.6 ملايين برميل يومياً على أساس سنوي، فيما سيكون 1.5 مليون برميل يومياً في الفصل الثاني.
وهكذا ستجتمع بلدان «أوبك» الـ12 في فيينا غداً، ولن تقرّ خفضاً جديداً على الأرجح، لأنّ الفترات المقبلة ستحمل انتعاشاً في الأسعار يعوّض لها عن تداعيات الأزمة.
(الأخبار)


التزام ضروري

تتفق إيران والسعوديّة حالياً على ضرورة أن يكون سعر برميل النفط 80 دولاراً، رغم أنّ الأولى تعدّ «صقراً» في منظّمة «أوبك»، والثانية «أكثر اعتدالاً» ومراعاة للبلدان المستهلكة. ونقلت التقارير الإعلاميّة عن وزير النفط الإيراني، غلام حسين نوذري، قوله إنّ سعر الـ80 دولاراً «ملائم لتطوير الحقول»، وهو مستوى أعلى بكثير من المستوى الحالي عند حوالى 60 دولاراً. ويشدّد على أنّ بلاده «ملتزمة» بحصتها المقررة من جانب «أوبك»، وهو التزام ضروري، لكنّه تراجع لكلّ الأعضاء إلى 77 في المئة في نيسان الماضي من 82 في المئة في الشهر السابق.