strong>حسن شقرانيالتوصيات التي قدّمتها الصين الأسبوع الماضي لتكون أساساً لطرحها في قمّة المناخ التي تعقد في العاصمة الدنماركيّة في نهاية العام الجاري تتضمّن طلباً أساسياً: على البلدان الصناعيّة خفض انباعاثاتها من الغازات الدفيئة بواقع 40 في المئة بحلول عام 2020، مقارنة بالمستويات المسجّلة في عام 1990. فالبلد الشيوعي الذي يُعدّ أيضاً ملوّثاً ضخماً في ظلّ موجة التنمية الصاخبة التي يشهدها، يرى المسؤوليّة حالياً واقعة بالدرجة الأولى على عاتق «البلدان العظمى» التي حظيت بفرصتها وبحصّتها من التلويث عندما كانت الطبيعة لا تزال بخير نسبياً. وهو يطلب أيضاً من نادي الأغنياء (فقراء حالياً بسبب الأزمة الاقتصاديّة التي تُقلّص اقتصاداتهم بمعدّلات قياسيّة!) تخصيص بين 0.5 في المئة و1 في المئة من ناتجه الإجمالي لمساعدة البلدان النامية والفقيرة على مواجهة الاحتباس الحراري.
فتلك البلدان تشهد أكثر من 90 في المئة من الخسائر البشريّة والاقتصاديّة الناتجة بشكل أو بآخر من انبعاث الغازات الدفيئة انبعاثاً هستيرياً، وفقاً للتقرير الصادر عن «المنتدى الإنساني العالمي» (Global Humanitarian Forum)، وهو منظّمة يديرها الأمين العام السابق اللأمم المتّحدة كوفي أنان.
وهنا يكمن خطر نوعيّ على الفقراء وذوي الدخل المحدود، تماماً كذلك الذي تمثّله الأزمة الاقتصاديّة العالميّة. فالبلدان الناشئة أو العالقة في دوّامة الفقر، وتحديداً في أفريقيا، هي أساساً تعيش تحديّات تحقيق الحدّ الأدنى من مقوّمات العيش. وتركّز تداعيات الأزمة المناخيّة في مجتمعاتها يؤدّي إلى كبح المسيرة التنمويّة (إذا كانت أساساً موجودة بالمعايير العلميّة)، بل وحتّى شدّ المجتمعات إلى الوراء.
الأرقام التي تحدّث عنها تقرير «المنتدى» تصدم بالفعل. فهي تفيد بأنّ الاحتباس الحراري العالمي، أي ارتفاع حرارة الأرض بفعل العوامل الإنسانيّة أساساً، يؤدّي إلى وفاة 300 ألف نسمة سنوياً، وتحديداً بسبب زيادة نسبة الفيضانات وموجات الجفاف.
وإضافة إلى حالات الوفاة، فإنّ أكثر من 325 مليون شخص، معظمهم في البلدان النامية، يتأثرون بالاحتباس الحراري. ويتوقّع التقرير أن يتضاعف هذا الرقم بحلول عام 2030.
محلّلون واختصاصيّون كثرٌ علّقوا على الأرقام الخطيرة بالقول إنّها مبالغ فيها ولا يمكن الاعتماد عليها لأنّها لا تفترض تصنيفات واضحة لأسباب الوفيّات ولأنّ هذا المجال من البحث معقّد جدياً. لكنّ مناصري الدراسة يقولون إنّ هذه الأرقام موجّهة إلى زعماء العالم لكي يتنبّهوا إلى حجم المسؤوليّات الملقاة على عاتقهم، وفقاً لما تنقله صحيفة «New York Times» عن البروفيسور سورين أندرسون الذي أشرف على إعداد التقرير.
وهذه الأرقام لا تبدو حاسمة فقط لرفع مستوى الوعي قبيل قمّة كوبنهاغن، بل أيضاً لزيادة الضغوط على البلدان الـ170 التي تجتمع في بون السويسريّة بدءاً من الأوّل من الشهر المقبل لمدّة 13 يوماً. فهناك معضلات حقيقيّة متعلّقة بالتوصّل إلى اتفاق على الأهداف التي يجب الالتزام بها، وتحديداً من جانب البلدان الغنيّة.
فتلك البلدان تتحدّث عن خفض انبعاثاتها من الغازات الدفيئة بحلول عام 2020، بنسبة تتراوح بين 9 في المئة و16 في المئة فقط مقارنة بالمستويات المسجّلة في عام 1990. فيما يرى تقرير أصدرته اللجنة الحكوميّة التابعة للأمم المتّحدة أنّ تلك النسبة يجب أن تتراوح بين 25 في المئة و40 في المئة. أمّا موقف المجموعة النامية فمعروف طبعاً، وتصل مطالبات بعض الجزر المنتمية إلىها لضرورة أن تصل النسبة إلى 45 في المئة.
المجموعة التي «تُطالب» هي في الوقت نفسه «مطالبة» من نادي الأغنياء. فالاتحاد الأوروبي على سبيل المثال يريد من البلدان الناشئة أن تخفض انبعاثاتها من الغازات الدفيئة بنسبة تتراوح بين 15 في المئة و30 في المئة دون نموّ الانبعاثات المتوقّع بحلول عام 2020.
الضغوط موجودة على الجميع إذاً لتجنّب السيناريو الأسوأ في المستقبل القريب: فيضانات بمعدّلات هائلة، موجات جفاف حادّ لم تشهدها المعمورة، مدن مهدّدة بالغرق... وعلى الجميع القيام بواجبهم وعلى رأسهم «الصناعيّون» الذين استخدموا النفط بـ«هوس» منذ انطلاق شرارة الثروات الصناعيّة في أوروبا في القرن الثامن عشر وصولاً إلى نماذج مجتمعات الاستهلاك الواسع.
ولكي تتحقّق الأهداف، هناك مساعدات ضخمة يجب أن تقدّم إلى «الناشئين». أحد الاقتراحات، قدّمته المكسيك، يقضي بتقديم معونة تصل إلى 10 مليارات دولار سنوياً تخصّص للطاقة الخضراء بعيداً من التلويث.


أمراض تنفّس

توصّل باحثون في كليّة «Mount Sinai» للطب في نيويورك إلى أنّ الاحتباس الحراري المتوقّع سيؤدّي إلى ارتفاع أمراض التنفّس لدى الأطفال. فبسبب تلوّث الهواء من انبعاث الغازات الدفيئة سيزيد عدد الأطفال دون السنتين الذين سيخضعون لعلاج رئاتهم في المستشفيات، بنسبة تتراوح بين 4 في المئة و7 في المئة بحلول عام 2020. وبحسب المعدّ الأساسي للدراسة، بيري شيفيلد، فإنّ «هذه التغيّرات الملموسة في إدخال الأطفال إلى المستشفيات بسبب أمراض التنفّس ناتجة من انعكاس التغيّر المناخي على نسب تركّز الأوزون في الأجواء».