قد لا تكون الاقتصادات العربيّة بحجم التطوّر والتعقيد الذي تتميّز به البلدان التي نتجت منها الأزمة الماليّة، غير أنّ ثقة المستهلك تنخفض في جميع أصقاع الأرض. وبالنسبة إلى الخليج، فإنّ هذا الانخفاض يتفاوت بين بلد وآخر مع ازدياد القلق من «الأزمة» التي كلّفت العرب حتّى الآن 2.5 تريليون دولار فيما الفقاعات تنفجر وتؤثّر على بلدان هشّة مثل لبنان
حسن شقراني
تخطّت مجموعة العشرين (G20) في قمّتها أوّل من أمس عقبات اختلافات وجهات النظر بين ضفّتي الأطلسي، وأنتجت تسوية تقضي بدعم الاقتصاد العالمي بـ1.1 تريليون دولار عبر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتحفيز النموّ وخلق الوظائف وبطبيعة الحال نشر الاستقرار والثقة بين المستثمرين والمستهلكين على حدّ سواء.
فعدم مواجهة عامل فقدان الثقة والتخوّف من المستقبل سيؤدّي إلى تحوّل الركود العالمي إلى كساد قد يكون بهوامش واسعة «عظيماً» وشبيهاً بالذي عاشته الرأسماليّة في القرن الماضي.
وبالنسبة إلى المنطقة العربيّة، وتحديداً بلدان مجلس التعاون الخليجيّ، الثقة مفقودة أيضاً، لكن ذلك المجلس لم يتخذ حتّى الآن (بصفة اتحاديّة) أيّة إجراءات لطمأنة الاقتصادات الستّة. واكتفت الحكومات المعنيّة بإعلان «خطط» وطنيّة تتعلّق بالسيولة وإنقاذ الشركات التي تمرّ بمرحلة عصيبة.
اللافت هو أنّ البلدان العربيّة بمجملها خسرت استثمارات بـ2.5 تريليون دولار. والمؤسف هو أنّ الانهيارات في أسواق الأسهم ترافقت مع تراجع دراماتيكي في أسعار النفط (أكثر من 75 في المئة). فهذه المادّة الأوليّة تعدّ دولاراتها العائد الأوّلي للخليج العربي والبلدان التي تدور في فلكه.
فاقتصادات الخليج عاشت خلال السنوات الست الماضية فورة مثيرة على صعيد البترودولارات والتجارة. وفيها وجد المهاجرون من بلدان الاقتصادات الأكثر تنوّعاً في المنطقة (وخارجها) ملاذاً لتوفير وظائف بدخل مقبول والعيش في بيئة استقرار سندها الأساسي «أكثر مادّة طاقويّة استراتيجيّة».
لكنّ انفجار الفقاعة منذ انفلاش نطاق أزمة الائتمان العالميّة في الخريف الماضي وتحوّلها إلى أزمة اقتصاديّة، بحكم الارتباطات العضويّة التي تفترضها العولمة، أدّى إلى تراجع مستوى ثقة أبناء بلدان الخليج باقتصاداتهم، فيما واجه المهاجرون حائطاً مسدوداً وتراجعت ثقتهم بالمنطقة جمعاء.
وعلى سبيل المثال، فإنّ تنفيس فقاعة العقارات الذي يتمظهر في الإمارات العربيّة المتّحدة يؤدّي إلى تجميد أو إلغاء مشاريع عقاريّة بقيمة تفوق الـ340 مليار دولار بعدما تراجعت أسعار العقارات وإيجاراتها بمعدّل يتراوح بين 20 في المئة و35 في المئة، مقارنة بالمستوى القياسي المسجّل في عام 2008.
هذا الواقع ينتج منه تراجع ثقة المستهلكين في اقتصاداتهم الوطنيّة. وما يلفت في هذا السياق هو التفاوت بين نسب تراجع الثقة في البلدان المعنيّة، وحتّى مقارنة مع لبنان الذي يدور في فلكها.
فبحسب دراسة أعدّتها مؤسّسة «Bayt.com» بالتعاون مع مؤسّسة الأبحاث «YouGov»، كانت الكويت الأكثر تأثّراً بالأزمة الماليّة العالميّة من حيث ثقة المستهلكين. فقد تراجع مؤشّر تلك الثقة 16.7 نقطة، ولحقتها الإمارات بتراجع بلغ 15 نقطة، ثمّ البحرين بـ12 نقطة فقطر بـ8.9 نقاط. أمّا ثقة المستهلك السعودي فقد صمدت نسبياً وتقلّصت بـ0.9 نقطة فقط.
وبالنسبة إلى لبنان المرتبط حيوياً بمنطقة الخليج العربي، فقد تراجعت ثقة مستهلكيه بـ8 نقاط، بعدما كان مؤشّره قد ارتفع بشكل لافت بواقع 25.5 نقطة في المسح الذي أجرته الشركتان في تشرين الثاني الماضي. وبذلك تكون مرتبة لبنان الثانية في مجموعة «لبنان ـــــ البلدان الخليجيّة» من حيث «نمط تطوّر ثقة المستهلك».
وبالنسبة إلى تقويم الآفاق الاقتصاديّة عامّة، أعرب 43 في المئة فقط من اللبنانيّين الذين خضعوا للمسح عن ثقتهم بأنّ العام المقبل سيكون أفضل على صعيد سوق العمل، فيما رأى 33 في المئة من المستطلعة أراؤهم أنّ الأوضاع الاقتصاديّة ستتحسّن خلال العام المقبل.
ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى أنّ حوالى 70 في المئة من تحويلات المغتربين اللبنانيّين (بحسب التقديرات المحافظة) تتأتّى من منطقة الخليج العربي. وإذ يدور الحديث عن الأزمة الخليجيّة تزداد وتيرة النقاش حول جدوى العمل في المنطقة النفطيّة التي أمنت منبعاً أساسياً للتحويلات ليس فقط بالنسبة إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (منطقة MENA)، بل لشرق آسيا أيضاً.
ففي دبي مثلاً، حيث يعيش 1.79 مليون نسمة، يتوقّع المصرف الاستثماري «EFG Hermes» انخفاض عدد سكّان دبي بنسبة 17 في المئة خلال العام الجاري، حيث سيفقد قطاع البناء 30 في المئة من عامليه، فيما سيتراجع عدد العاملين في القطاعات الأخرى بنسب معدّلها 13 في المئة. وهذا سيتمّ، فيما تزداد ترجيحات الاقتصاد الإماراتي بأنه سيتقلّص للمرّة الأولى منذ 15 عاماً بسبب تراجع عائدات النفط وانخفاض الطلب الناتج من موجة الركود العالمي.
إذاً فتراجع الثقة مسألة محقّقة، لكن هل المؤشّر في لبنان حقاً أفضل مقارنةً ببلدان النفط وحتّى بسوريا (تراجع بـ9.8 نقاط)؟


استهلاك... استهلاك

بحسب مؤشّر «Bayt.com» يرى 21 في المئة فقط من الذين خضعوا للمسح في لبنان أنّ أوضاعهم الماليّة تحسّنت. أمّا على صعيد إقليمي (منطقة MENA) فإنّ 25 في المئة أعربوا عن تحسّن في أوضاعهم الماليّة الشخصيّة، فيما رأى 34 في المئة أنّ أوضاعهم قد ساءت، ورأى 35 في المئة أنّ أوضاعهم بقيت ثابتة. واللافت هو أنّ 24 في المئة من اللبنانيّين يرون أنّ الوقت الآن هو ملائم للإنفاق على شراء السلع الاستهلاكيّة المعمّرة، فيما المعدّل للمنطقة بلغ 19 في المئة فقط، حيث رأى أكثر من 45 في المئة أنّ المرحلة الحاليّة هي سيّئة للشراء.