strong>تسيطر صناديق الثروة السياديّة في العالم على 3 تريليونات دولار من الأصول (نحو 5 في المئة من الناتج الاقتصادي العالمي)، وتثير «شكوكاً وطنيّة» كثيرة بشأن أبعادها السياسيّة وأهدافها الاستراتيجيّة. وهي أسّست منذ عام «مجموعة عمل دوليّة» لتنسيق عملها، بدأت في الكويت، أمس، اجتماعاً لبلورة التنسيق في وجه الأزمة الماليّة العالمية والأسواق المتغيّرة
«اليوم دخل العالم بأكلمه في مرحلة جديدة. مرحلة يسيطر عليها السياسيّون الذين يقودون الأسواق. وهذا سيؤثّر على مستقبل تلك الأسواق». بهذه العبارة اختصر مدير الصندوق السيادي الكويتي بدر السعد التحدّيات التي تواجه عمل صناديق الثروات التي تديرها بلدان تملك فوائض نقديّة كبيرة نتيجة عائدات مواردها الأوليّة أو التجاريّة. حديث السعد الذي نقلته وكالة «فرانس برس» جاء في الجلسة الافتتاحيّة لمؤتمر «مجموعة العمل الدوليّة»، التي أُنشئت قبل عام لتنسيق عمل 23 صندوقاً سيادياً في العالم، في ظلّ استمرار فقدان الثقة في أسواق الائتمان بسبب الأزمة الماليّة.
وخلال العام الماضي عقدت المجموعة 3 اجتماعات كان أبرزها في العاصمة التشيليّة، سانتياغو، حيث أعلن عن اتفاقيّة المبادئ والمعايير التي تحكم عملها (GAPP)، وتُعرف تلك الاتفاقيّة بـ«مبادئ سانتياغو»، وصيغت بالتعاون مع صندوق النقد الدولي.
وتظهر تلك المعايير أساسيّة لتنسيق عمل الصناديق، وخصوصاً في ظلّ الخسائر الكبيرة التي سجّلت منذ انفجار فقاعة الرهون العقاريّة الأميركيّة وانفجار أزمة الائتمان (Credit Crunch) والانهيار الذي شهدته البورصات وأسهم المصارف والمؤسّسات الماليّة في الخريف الماضي. فالصندوق السيادي الكويتي مثلاً خسر 31 مليار دولار من إجمالي أصول تبلغ 300 مليار دولار بسبب الأزمة الاقتصاديّة العالميّة، وفقاً لما نقلته التقارير الإعلاميّة عن مصادر برلمانيّة في البلد النفطي الخليجي.
كذلك خسر الصندوق السيادي النروجي، الذي يعدّ ثاني أكبر الصناديق السياديّة في العالم، 100 مليار دولار خلال العام الماضي، بحسب البيانات التي نشرها المصرف المركزي في البلد الأوروبي الغربي، في الأسبوع الماضي.
ونتيجة لهذه الخسارة الضخمة، قالت وزيرة المال النروجيّة كريستين هالفورسين، وفقاً لما نقلته صحيفة «Financial Times»، «نحن نعمل على صياغة أطر جديدة لتحسين إدارة (الصندوق السيادي)، وبالتالي الحدّ من المخاطر».
وتبرز أهميّة الصناديق السياديّة، بالنسبة إلى البلدان التي تتبع لها، من البعد الاستراتيجيّ للأموال التي تستثمرها. فالصندوق النروجي يستخدم العائدات النفطيّة الهائلة لاستثمارات خارجيّة تضمن حقوق الأجيال المقبلة، وبالتالي فإنّ هدفه الأساسيّ هو التنمية المستدامة التي يجب أن ترتبط بمصدر للأموال سينضب في وقت ما.
وتهدّد الأزمة الماليّة العالميّة الطابع المستدام لذلك الصندوق، فهو سجّل خلال العام الماضي عائداً سلبياً بلغت نسبته 23.3 في المئة أقلّ بـ3.4 نقاط من المحفظة المعياريّة الاستراتيجيّة التي يقيس نتائجه على أساسها.
واللافت في الاجتماع المعقود في الكويت هو أنّه يأتي غداة قمّة مجموعة الدول العشرين الكبرى والتي عقدت في لندن يوم الخميس الماضي. وأقرّت تلك القمّة سلسلة مبادئ تحكم عمل الأسواق الماليّة في العالم، من خلال فرض معايير أكثر صرامة على المصارف والمؤسّسات الماليّة لتعزيز الشفافيّة وآليّات تقويم المخاطر، بهدف تجنّب أزمات ماليّة في المستقبل، وفقاً لما شدّد عليه زعماء البلدان المسؤولة عن 85 في المئة من الناتج العالمي.
وهذا التطوّر يعدّ إيجابياً لعمل الصناديق السياديّة. فالقائمون عليها استثمروا كثيراً خلال السنوات الأخيرة في أسهم مصارف عالميّة ضخمة. وقد راقبوا قيمة استثماراتهم تضمحلّ انعكاساً للأزمة الماليّة. وتحت الضغوط السياسيّة، زادت تلك الصناديق من استثماراتها في مصارف كبيرة مثل «Merrill Lynch» و«Citygroup» الأميركيّين و«UBS» السويسري، لإنقاذها من الزوبعة الماليّة وشحّ السيولة، وتمكينها من تأمين الالتزامات.
ولكن بحسب السعد، فإنّ التغييرات التي ستشهدها الأسواق الماليّة ستؤدّي إلى «رقابة أكبر في الأسواق، وإلى موجة أكبر من التأميم والحمائيّة. والرقابة الزائدة ستؤدّي إلى نقائص عديدة في الأسواق، ونأمل أن يكون ذلك مؤقّتاً». ومن هذا المنطلق، يتوقّع المراقبون أن ينتج من الاجتماع الذي تستضيفه العاصمة الكويتيّة تأسيس منتدى لتمتين التنسيق بين الصناديق، إضافة طبعاً إلى إعلان عام عن خطورة الأزمة الماليّة العالميّة ومرحلة الركود وكيفيّة مواجهتها.
وتجدر الإشارة إلى أنّه رغم الأزمة الماليّة العالميّة، فإنّ نموّ أصول الصناديق السياديّة مستمرّ، ويساوي حجمها الإجمالي ثلاثة أضعاف خطّة الإنقاذ الاقتصادي التي أعلنت عنها مجموعة الدول العشرين الكبرى، والتي تقضي بإنعاش صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
(الأخبار)


ريادة لأبو ظبي

بحسب دراسة نشرتها مؤسّسة «Preqin» في 25 من الشهر الماضي، نمت الصناديق السياديّة بنسبة 6 في المئة خلال العام الماضي، وارتفع حجم أصولها من 3.05 تريليونات دولار إلى 3.22 تريليونات دولار، على الرغم من الأزمة الماليّة العالميّة، حيث قامت الحكومات المسؤولة عن تلك الصناديق بزيادة مواردها لتنويع الاستثمارات في الأسواق الخارجيّة. وتجدر الإشارة إلى أنّ أكبر صندوق سيادي في العالم هو الصندوق السيادي التابع للعاصمة الإماراتيّة، ويسمّى «سلطة أبو ظبي الاستثماريّة»، ويبلغ حجم أصوله 750 مليار دولار، مصدرها البترودولار.