strong>بتوصية أوروبيّة قاسية، تبنّى زعماء مجموعة العشرين في قمّتهم الأسبوع الماضي، ضرورة زيادة الشفافيّة في النظام المصرفي العالمي. وإحدى الوسائل لتحقيق ذلك هي الانقضاض على التهرّب الضريبي، و«ملاحقة» البلدان التي تمثّل «ملاذات آمنة» للمخالفين. تلك البلدان موجودة على لائحة أعدّتها منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية وعدّلتها أمس!
نسّق زعماء مجموعة الدول العشرين (G20) مع منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) لكي تنشر هذه الأخيرة لائحة تضمّ البلدان غير المتعاونة في موضوع التهرّب الضريبي مباشرة مع انتهاء قمّتهم التي استضافتها لندن الخميس الماضي، وعدّت حيويّة لمواجهة الأزمة الاقتصاديّة العالميّة. والمنظّمة التي تعنى بالشؤون الاقتصاديّة والتنمويّة للبلدان الصناعيّة أعدّت 3 لوائح (جدّدت لوائحها السابقة). واحدة «بيضاء» وتضمّ البلدان الملتزمة تطبيق المعايير الضريبيّة المتّفق عليها دولياً، والثانية «رماديّة» وتحوي بلداناً أو مناطق تعهّدت تطبيق تلك المعايير، إلّا أنّها لم تبدأ بذلك عملياً. أمّا البلدان التي لم تلتزم أبداً تلك المعايير، فضمّت في «لائحة سوداء» تحضيراً لـ«ملاحقتها» ومعاقبتها.
المجموعة الأخيرة ضمّت البلدان الآتية: كوستاريكا وماليزيا والفيليبين وأوروغواي. واللافت هو أنّه بعد 4 أيّام فقط من إعداد اللائحة، قرّرت منظّمة التعاون إزالة تلك البلدان الأربعة عن اللائحة بعدما أعربت عن استعدادها للتعاون، ما يشير إلى إمكان قلق تلك البلدان من العقوبات المطروحة.
وقال مدير المنظّمة، أنجيل غوريا، في مؤتمر صحافي عقده في باريس أمس، ونقلت تفاصيله وكالة «AP»، إنّ «تلك المناطق الأربع التزمت الآن بالكامل تبادل المعلومات وفقاً للمعايير التي حدّدتها المنظّمة»، وشدّد على أنّ ما حدث «تطوّر مهمّ جداً».
وهكذا ستُضمّ البلدان المذكورة إلى اللائحة الرماديّة التي تحوي أساساً 32 بلداً، ليرتفع عدد البلدان الرماديّة إلى 44 بلداً، بينها بلجيكا والنمسا واللوكسمبورغ وسويسرا وموناكو، إضافة إلى مجموعة من الجزر التي تمثّل ملجأً آمناً لأصحاب الملايين.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ بلداناً عديدة في هذه المجموعة أعربت عن سخطها لدى صدور اللائحة الأسبوع الماضي، ولفت بعضها إلى أنّ الصين تمكّنت من تجنّب إدراج هونغ كونغ وماكاو (وهما منطقتان تابعتان لها) على اللائحة، والاكتفاء بالإشارة إليهما في الحواشي.
ومن جهة أخرى تضمّ اللائحة البيضاء 40 بلداً بينها فرنسا وإيطاليا والولايات المتّحدة والإمارات العربيّة المتّحدة وبريطانيا والسويد. فمنظّمة التعاون تراقب أداء 84 بلداً من حيث معايير تطبيق معايير الشفافيّة. ويبدو أنّ الزخم الذي اكتسبته جهودها في هذا السياق من جرّاء التزامات مجموعة الـ«G20»، كان فعالاً.
والبلدان التي تستهدفها منظّمة التعاون هي مناطق تطبّق بطبيعة الحال (بمستويات مختلفة) السريّة المصرفيّة وتمنع كشف البيانات وبالتالي تزيد هوامش فقدان الشفافيّة وبالتالي الاحتيال. ونظراً لأنّ الأزمة الماليّة نتجت من فقدان الرقابة في الأسواق الماليّة وتشكّل المركّبات الماليّة «المسمّمة»، تقرّر في القمّة الشهيرة إدراج موضوع الجنّات الضريبيّة في رزمة «زيادة الشفافيّة».
وفي ظلّ الأزمة التي تعهّد زعماء الـ«G20» بـ1.1 تريليون دولار لمحاربتها، إضافة إلى الإشارة إلى أنّ رزم التحفيز الاقتصادي الحكومي قد تصل قيمتها إلى 5 تريليونات دولار بنهاية العام المقبل، تبدو إجراءات زيادة الشفافيّة ضروريّة لتطهير النظام المصرفي كلياً وإن لم تكن الحسابات السريّة بالتحديد ما أطلق أزمة الائتمان.
فأوّلاً هناك الضغوط الأوروبيّة، وتحديداً من برلين وفرنسا. فقد هدّد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بالـ«الانسحاب» من قمّة الـ«G20» إذا لم تحترم الطروحات الأوروبيّة. وتلك الطروحات تمحورت أساساً حول كيفيّة زيادة الرقابة على النظام المالي العالمي، من الشبكات المصرفيّة وحتّى مؤسّسات الاستشارات الماليّة والتصنيف الائتماني. كذلك أكّدت ضرورة زيادة الشفافيّة في أنظمة الجنّات الضريبيّة الموجودة كثيراً في أوروبا، وأبرزها لوكسمبورغ وموناكو وسويسرا.
وثانياً لا تنفكّ أصوات مناصري الفقراء ومواطني البلدان النامية والفقيرة تطالب بضرورة إلغاء مفاعيل مبدأ السريّة المصرفيّة، وخصوصاً عن حسابات المسؤولين الفاسدين الذين يحرمون بلدانهم موارد أساسيّة لمواجهة الفقر وتحقيق التنمية.
لكن عموماً سيبقى موضوع الجنّات الضريبيّة مثيراً للجدل، بمعنى أنّ البلدان القائمة على تميّز نظامها المصرفي مثل سويسرا، لا بدّ من أن تبتكر طرقاً أكثر تعقيداً وذكاءً للالتفاف على معايير المنظّمة، وخصوصاً أنّ الأخيرة، بحسب غوريا، لن ترغب في رؤية أعضائها يفرض بعضهم عقوبات ماليّة على البعض الآخر. وتلك العقوبات مبنيّة على «معايير موضوعيّة» حدّدت على أساسها اللائحة، على حدّ تعبير لمدير قسم السياسات الضريبيّة في المنظّمة، جيفري أوينز.
(الأخبار)


مصالح محليّة

وفقاً للمعايير الضريبيّة العالميّة يُفرض على البلدان ضرورة توفير المعلومات عند الطلب في كلّ ما يتعلّق بالمسائل الضريبيّة في الإدارة وفي مسألة فرض تطبيق القوانين المحليّة بغض النظر عن المصالح الضريبيّة المحليّة الموجودة، وعن قانون السريّة المصرفيّة. كذلك تضمن تلك المعايير احترام مبدأ سريّة المعلومات المتبدالة، وفقاً لما تورده منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية على موقعها على الإنترنت. ووافقت مجموعة العشرين على تلك المعايير في قمّتها في برلين في عام 2004، كذلك وافقت عليها الأمم المتّحدة في عام 2008.