قمة مجموعة الدول العشرين الكبرى (G20) التي عقدت أخيراً «منيت بفشل ذريع» بحسب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة ميغيل ديسكوتو بروكمان، الذي يرى أنّ «العالم يمر في إحدى أكبر الأزمات الاقتصادية التي لا يبصر نهاية لها حتى الآن»، رغم رزم التحفيز الضخمة التي أطلقتها المجموعة في لندن
نيويورك ــ نزار عبود
للمرّة الأولى تتولّى الجمعية العامة للأمم المتحدة دوراً في معالجة الأزمات المالية والاقتصادية بتنظيمها مؤتمراً رفيع المستوى يجمع ممثلين عن الدول الـ192 الأعضاء في المنظمة الدوليّة لثلاثة أيام في مطلع حزيران المقبل. هذا الاجتماع يأتي فيما يشهد العالم تداعيات الأزمة الاقتصاديّة العالميّة التي لم تظهر جدياً بعد انعكاسات رزم التحفيز المقرّرة في البلدان الصناعيّة والنامية لمواجهتها.
رئيس الجمعيّة العاميّة للمنظّمة، ميغيل ديسكوتو بروكمان، وصف الاجتماع المقرّر بأنّه «الأهم في تاريخ الأمم المتحدة». وقال: «لم يحدث منذ إنشاء الأمم المتحدة أن واجه العالم أزمة اقتصادية ومالية بهذه الدرجة من الفداحة. لا نزال نجهل القعر، والأزمة آخذة في الاتساع والغوص في العمق». وعزا التدهور الاقتصادي والمالي إلى «انعدام المسؤولية والجشع الجامح من بعض الدول، ولا شأن للغالبية العظمى من الدول الأعضاء بها، لكنها تدفع أفدح الأثمان».
وشدّد المسؤول الأممي، على أنّ الدول التي وضعت نظام «Bretton Woods» (المؤتمر الاقتصادي الذي عقد عام 1944 وأرسى ركائز النظام الاقتصادي العالمي) «هي المسؤولة عن الفوضى التي لحقت بالعالم اليوم». لافتاً إلى أهمية المضي قدماً جماعياً لتحمّل المسؤولية التي تخلّت عنها الدول المسبّبة للأزمة، فالضرورة الآن هي للعمل بإخلاص «من أجل إرساء دعائم سليمة لقيادة البنى المالية والاقتصاديّة الدوليّة».
وأناطت الجمعية العامة برئيسها مهمة تنظيم المؤتمر على مستوى رؤساء الدول. وطلبت منه تقديم اقتراح محدّد لعقده. وهو من جهته، رأى أنّ الجمعيّة هي الجهة الأصلح لتولي مهمة من هذا النوع. وقال: «إنني أحترم كل الأقليّات، بما في ذلك مجموعة الثماني (الدول الصناعيّة الكبرى) ومجموعة العشرين. لكن بغضّ النظر عن مدى ثراء تلك الدول، فإنها تبقى ضمن خانة الأقليات».
وأضاف إنّ أيّ نظام مالي واقتصادي لا بد أن يراعي المصالح العامة للشعوب في المقام الأول. فالعالم في القرن الـ21 يعاني فشل مجموعة العشرين التاريخي. ففي القمة التي عقدتها أخيراً توصّلت إلى اتفاق على تأمين 1.1 تريليون دولار للدول الأقل تنمية في العالم. ولم تشرح من أين ستأتي بذلك المبلغ. وكان رئيس البنك الدولي، روبرت زوليك، قد حدّد المبلغ المطلوب بتريليوني دولار، فيما تحدثت تقديرات أخرى عن حاجة تزيد على 3 تريليونات دولار.
ومن المسائل التي يراها بروكمان محورية في المؤتمر الدولي الرفيع المستوى إيجاد عملة أكثر استقراراً من الدولار لتكون عملة احتياط. فالولايات المتحدة «لا تتوانى عن طباعة الأوراق النقدية فيما تتحمل شعوب العالم التبعات على شكل تآكل قيمة الأرصدة بالدولار، بما في ذلك كلفة حرب العراق التي بلغت تريليون دولار».
ورأى أنّ مؤتمر حزيران سيمهّد لسلسلة مؤتمرات ولقاءات تتبع الحدث من أجل إرساء أسس هندسة النظام الاقتصادي وتحديد الوجهة الواجب سلوكها في المستقبل. وكشف عن برنامج لزيارة عدد كبير من الدول، يبدأها بفنزويلا من أجل التباحث مع زعمائها في هذا الموضوع.
وحظيت مبادرة الجمعية العامة بقبول واسع من جانب الدول مع ترجيح عقد قمة واسعة بينها مجموعة الـ77 في الأمم المتحدة (التي باتت تضم 130 دولة) ومعها الصين. وكشف أن البعض «من الأقليات» حاول إضعاف المبادرة والتقليل من شأنها، «لكن محاولتهم وُوجهت بالصدّ». ووصف تلك الدول المعرقلة للمؤتمر بأنها من المسيطرين الحاليين على مقدرات العالم «ممن يرفضون التخلّي عن امتيازاتهم وسيطرتهم. لكن دعونا نواجه الأمر، لقد خاب فألهم، خاب خيبة ذريعة».
وأعرب بروكمان عن إعجابه بفطنة الرئيس الأميركي باراك أوباما وذكائه، وعن أمله في المشاركة في هذا الحدث المهم. وقال إن «أوباما ليس شخصية سياسية فذة فحسب، بل إنه قائد أخلاقي وروحي لكونه يؤمن بالحوار في حل المشاكل. وإنه يتمتع بإدراك واضح لمدى عمق الأزمة، والدور الذي أدّته الدول المتقدمة في صنعها. غير أنّه ورث تركة الوضع الاقتصادي الراهن. ومن الصعب عليه أن يقاوم الواقع».
وانطلاقاً من نظرة بروكمان بأن السياسة هي فنّ الممكن، رأى أنه سيسعى إلى تحقيق أقصى ما يمكن، «الولايات المتحدة والعالم في حاجة بعضهما إلى بعض على متن هذا المركب الذي إمّا أن نغرق فيه أو نعوم مجتمعين»، وحذّر من أنّ «العالم يقف على شفير الهاوية»، مطالباً بضرورة «استخدام معايير أخلاقية». وأشار إلى أن الدول الأفريقية الأكثر تضرراً من الحقبة الماضية هي الأكثر حماسة للمؤتمر.


حكمة وهميّة

عندما طرح عليه سؤال بأن الدول الصناعيّة هي صاحبة الخبرات المالية النادرة، ردّ ميغيل ديسكوتو بروكمان بحزم، «عن أي خبرة تتحدثون؟ خبرة في خلق أكبر فوضى شهدها العالم خلال 60 سنة أو أكثر؟ إن الاعتقاد بأن الأغنياء والمتقدّمين صناعياً يتمتعون بالحكمة باء بالخيبة. واليوم هناك مطالبة بنظام أشمل يجمع الكل». وشدّد على أنّ غاية الاجتماع أيضاً من المؤتمر هي تلبية احتياجات الدول الأضعف، وتوخي العدالة والإنصاف في العلاقات التجارية بين الدول. فهو سيطرح الأسس للمتابعة، لأن النظام الحالي لم يعد صالحاً.