Strong>غداة التحذير الذي أطلقه في شأن الخسائر التي سيتكبّدها القطاع المالي العالمي، والتي ستفوق الـ4 تريليونات دولار بنهاية العام الجاري، أكّد صندوق النقد الدولي مجدّداً أنّ الاقتصاد العالمي يمرّ بمرحلة كساد حاد، وسيتقلّص بنسبة 1.3 في المئة خلال العام الجاري، على أن يعاود النموّ الإيجابي في عام 2010، ولكن في ظلّ استمرار ركود أكبر مكوّن له: الاقتصاد الأميركيتيّاران أساسيّان يحكمان حركة الاقتصاد العالمي في أخطر أزمة اقتصاديّة يمرّ بها العالم منذ الكساد العظيم في القرن الماضي. الأوّل هو انهيار ثقة المستهلكين والمستثمرين في جميع أصقاع الأرض، وهو العامل الذي يشدّ نزولاً ويؤدّي إلى تكبيل النشاط الاقتصادي والمالي على حدّ سواء، وينتج من ذلك تركيبة ركود خطرة قد تتحوّل إلى كساد إذا لم تواجه بالأساليب المناسبة. أمّا التيّار الثاني فتعبّر عنه خطط التحفيز التي أقرّتها الحكومات حول العالم بهدف تنشيط الطلب وعودة النموّ.
ورغم أنّ مفاعيل التيّار الأوّل تسيطر على مفاعيل الثاني، يبدو أنّ الاقتصاد العالمي يتوجّه نحو الانتعاش النسبي مع نهاية العام الجاري، وأنّ «النموّ سيعود إلى الاقتصادات المتقدّمة في عام 2010 على أن يعود إلى مستوياته الطبيعيّة في نهاية ذلك العام». هذا التوصيف طرحه كبير الاقتصاديّين في صندوق النقد الدولي، أوليفييه بلانشارد، في مؤتمر صحافي في واشنطن، بعد إطلاق تقرير «آفاق الاقتصاد العالمي».
ورفع الصندوق حدّة تشاؤمه في هذا التقرير نصف السنوي الذي أصدره أمس، حيث قال إنّ الاقتصاد العالمي سيتقلّص بنسبة 1.3 في المئة خلال العام الجاري، وهي أكبر نسبة تراجع منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية. والنموّ الكوني لن يعود إلى الهوامش الإيجابيّة سوى خلال العام المقبل مع توقّع تسجيل نموّ نسبته 1.9 في المئة. وهو معدّل متواضع ويعكس جدياً مدى تأثير موجة الركود التي أطلقتها أزمة الائتمان وهيكليّة اقتصادات العولمة على البلدان الصناعيّة والنامية.
هذه التوقّعات السلبيّة الجديدة تنتج من واقع أنّ الأسواق الماليّة ستحتاج وقتاً أطول لكي تستقرّ. ووفقاً للتوقّعات التي كشف عنها الصندوق أوّل من أمس، فإنّ الخسائر التي سيتكبّدها القطاع المالي العالمي (المصارف والمؤسّسات الماليّة) بين عامي 2007 و2010 ستتجاوز الـ4 تريليونات دولار جرّاء الشطوبات الناتجة من الأوراق الماليّة المسمّمة والديون التي تمثّل عبئاً على ميزانيّات المصارف.
وحتّى نسبة النموّ المتواضعة التي يتحدّث عنها الصندوق، مرتبطة وفقاً للتقرير، بمستوى الجهود التي تبذلها الحكومات حول العالم على الصعيد المالي عبر «تنظيف» ميزانيّات المصارف من جهة، ومن جهة أخرى تحفيز الاقتصادات من خلال الإنفاق العام والمشاريع التي تواجه ارتفاع معدّلات البطالة وتنعش الطلب.
وفي هذا الصدد يقول التقرير إنّ «القلق الأساسي (ينبع من) أن تكون السياسات غير كافية لوقف النتائج السلبيّة بين تدهور الأوضاع الماليّة وضعف الاقتصادات في وجه محدوديّة الدعم الحكومي للسياسات الإجرائيّة». ولذا فإنّ إجراءات التحفيز يجب أن تكون على الأقلّ مستدامة، بما يعني أن تبقى عند المستويات الحاليّة، أو حتّى أكبر خلال عام 2010، وهنا حذّر الصندوق من أنّ خفض مستوى التحفيز قبل الأوان سيؤدّي إلى انحسار موجة التعافي.
وفي ما يتعلّق بالاقتصاد الأميركيّ، جاءت توقّعات الصندوق أكثر تشاؤماً من ترجيحات الاحتياطي الفدرالي في الولايات المتّحدة (المصرف المركزي). وقال التقرير إنّ أكبر اقتصاد في العالم سيتقلّص بنسبة 2.8 في المئة خلال العام الجاري، والأخطر من ذلك هو أنّ نسبة النموّ ستكون صفراً في المئة في عام 2010. فرغم الخفوضات الكبيرة في معدّلات الفائدة الأساسيّة «لا يزال الاقتراض مكلفاً بشكل لافت أو صعباً الحصول عليه بالنسبة للعديد من العائلات، ما يعكس الضغوط الموجودة في المؤسّسالت الماليّة».
وفي الربع الأخير من العام الماضي، تقلّص الاقتصاد الأميركي بنسبة 6.3 في المئة على أساس سنوي، وبحسب التقرير فإنّ «آخر البيانات تفترض هبوطاً ملموساً جديداً (في الناتج المحلّي الإجملي) خلال الربع الأوّل من العام الجاري». وخطورة هذا المعطى تنبع من أهميّة الاقتصاد الأميركي بالنسبة للاقتصاد العالمي.
وعلى الرغم من ظهور بعض بوادر التحسّن في قطاع الأعمال وثبات طلب المستهلكين «لا يزال التوظيف ينهار انهياراً سريعاً، ويسجّل هنا فقدان 5.1 ملايين وظيفة منذ كانون الأوّل من عام 2007، ما دفع معدّل البطالة إلى 8.5 في المئة في آذار الماضي».
وعلى الصعيد الأوروبي تحدّث التقرير عن تقلّص اقتصاد منطقة اليورو (16 بلداً) بنسبة 4.2 في المئة خلال العام الجاري وبنسبة 0.4 في المئة خلال العام المقبل، عازياً هذه التوقّعات المتشائمة إلى ضعف السياسات العامّة للردّ على الأزمة الاقتصاديّة والتنسيق بين حكومات المجموعة. وفي بريطانيا سيكون الركود «حاداً بشكل ملموس».
(الأخبار)


معاناة آسيا

يتوقّع التقرير أن تتقلّص اقتصادات البلدان السوفياتيّة سابقاً بنسبة 5.1 في المئة خلال العام الجاري، على أن تنمو بنسبة 1.2 في المئة فقط خلال عام 2010. أمّا في آسيا فيبدو أنّ الاقتصاد الياباني متّجه نحو المزيد من المعاناة، حيث يقول الصندوق إنّه سينكمش بنسبة 6.2 في المئة في 2009 أي أسوأ بكثير من نسبة الـ2.6- في المئة التي كانت متوقّعة سابقاً. وفي الصين ستنخفض نسبة النموّ إلى 6.5 في المئة. وهذه النسبة تمثّل نصف النسبة المسجّلة في عام 2007، وتسجّل بعد نموّ بنسبة 9 في المئة في العام الماضي.