معظم القطاعات الاقتصاديّة في العالم يعيش تداعيات الركود مع تراجع الطلب وتكبّل الاستثمارات. ولكن في «وادي السيليكون» في الولايات المتّحدة (Silicon Valley) هناك حركة مشوّقة. ومراقبة لسياسات عمالقة التكنولوجيا وإعادة تمركز الاستثمارات، تفيد أنّ ثورة جديدة قد تنطلق لتنبعث معها هواجس إعادة انتفاخ فقّاعة التكنولوجيا
حسن شقراني
«هل يستطيع وادي السيليكون إنقاذ العراق؟». سؤال مثّل عنواناً لمقال نُشر في صحيفة «Washington Post» في الـ20 من الشهر الجاري، يتضمّن خبر تأليف لجنة من المديرين التنفيذيّين والمسؤولين الكبار في شركات التكنولوجيا العملاقة من وادي السيليكون الأميركي، هدفها زيارة العراق لتقديم النصائح وطرح الأفكار المبدئيّة بشأن كيف يمكن التكنولوجيا أن تساعد بلاد الرافدين على تطوير الشفافيّة و«بناء القدرات» وتطوير عمل المجتمع المدني... فيها.
ولهذه الخطورة طبعاً أبعادها السياسيّة المطروحة من منظور إدارة الرئيس باراك أوباما «التقدّمي والنوعي». ولكن وادي السيليكون حيث الأحلام تتحوّل حقيقة، برهن خلال السنوات الماضية أنّه ليّن بالمستوى الذي يتطلّبه الإبداع، وطبعاً الأعمال والأرباح وما يفترضه النظام من أجل التطوير والبقاء على قيد الحياة الماليّة في وجه المنافسة الشرسة.
تلك المنافسة نشأت في العقد الأخير من الخارج، حيث برهنت بعض الاقتصادات النامية وعلى رأسها الصين قدرتها على مواجهة السلع الأصليّة بأسعار أرخص بكثير. ولكن المنافسة بقيت محدودة جداً، إذ إنّ «التقليد» اقتصر على السلع الصلبة وبقي الابتكار التكنولوجي على صعيدي تصميم البرامج والأدوات في الوادي الموجود في مدينة سان فرانسيسكو في شمال ولاية كاليفورنيا.
ولذا فإنّ المنافسة الداخليّة بقيت المحرّك الأساسي للابتكار والتطوير الذي، بحكم المنطق، لن ينتهي في هذا القطاع المستقبلي. وهنا يمكن الإضاءة على حدثين مهمّين مثّلا محور التطوّرات الأخيرة في «Silicon Valley».
الحدث الأوّل تمثّل في شراء شركة «Oracle» لعملاق البرامج «Sun Microsystems» مقابل 7.4 مليارات دولار، وذلك بعدما تخلّت شركة «IBM» عن طموحاتها للسيطرة على العملاق الشهير بقدرته على الصمود مستقلاً خلال تاريخ طويل شابته المنافسة.
والربح الكبير الذي حصدته «Oracle» من هذه الخطوة هو سيطرتها على لغة البرمجة «Java» المستخدمة في تشغيل أكثر من مليار آلة حول العالم. كما تمنحها السيطرة على نظام التشغيل الإلكتروني «Solaris» الذي يمثّل محرّك معظم منتجاتها الإلكترونيّة.
وقد وصلت الشركة المتعثّرة إلى مرحلة «عدم القدرة على الاستمرار» في ظلّ ترهّل ماليّتها رغم استمرار عمليّة الابتكار. فقيمة مبيعاتها بلغت خلال السنوات الأربع الماضية، وفقاً لما تنقله وكالة «Associated Press»، 13.3 مليار دولار، إلّا أنّ الفترة نفسها شهدت تسجيل خسائر بلغت 1.9 مليار دولار.
وإذا استثنينا «التداعيات الاجتماعيّة» لكونها سمة النظام القائم بشكله التقليدي عموماً، لأنّ «Oracle» التي توظّف 86 ألف شخص حول العالم ستخفض عدد موظّفيها، فإنّ الصفقة أعادت خلط الأوراق في وادي السيليكون، وأطلقت شرارة جديدة من تحفيز المنافسة ونفخ الابتكارات.
وقد ينشأ من هذه المرحلة، رغم أنّها مرحلة ركود، موجبات «فقّاعة تكنولوجيا» جديدة، كتلك التي نشأت من رحم النظام في تسعينيّات القرن الماضي، وانفجرت في عام 2000 مع انهيار المؤشّر القياسي في سوق «Nasdaq». ومن بين الدلالات على ذلك تبرز الـ6.1 مليارات دولار التي تنوي شركة «GlobalFoundries» استثمارها. واللافت هو أنّ تلك الشركة ولدت في آذار الماضي، أي في خضمّ الركود وموجة إلغاء الوظائف وتكبّل الاستثمارات!
ولكن بفقاعة أم لا، وهذه هي السمة الحتميّة للدورات الاقتصاديّة، فإنّ المنافسة لا تنفكّ تنتقل إلى مستويات أعلى، وهذا يُبرزه الحدث الثاني الذي ظهر في «الوادي» أمس.
فشركة «Apple»، مصنّعة هواتف «iPhone» ومشغّلات الوسائط المتعدّدة «iPod» وحواسيب «Mac»، أعلنت أنّ عائداتها خلال الربع الأوّل من العام الجاري ارتفعت بنسبة مفاجئة بلغت 9 في المئة، وذلك رغم الركود الحاد الذي يعصف بالاقتصاد، ورغم غياب المنتجات الجديدة نوعياً التي تجذب المستهلكين الخائفين.
وارتفعت العائدات لتصبح 8.16 مليارات دولار، لينمو الربح الصافي بنسبة 15 في المئة إلى 1.21 مليار دولار. وهذه السمة هي التي طبعت أداء الشركة، ورفعت مستوى المنافسة في وجه مديرها ستيفين جوبز، الذي أدّت جهوده إلى تقدّم الشركة 32 مرتبة على لائحة «Fortune».
إذاً فوادي السيليكون لا يبدو أنّه يخشى المضيّ قدماً في قلب الركود، وتعرب شركاته عن حماسة للاستثمار، وتحقّق أرباحاً لافتة. وشأنه شأن باقي القطاعات في هذه المرحلة التي تخضع لإعادة هيكلة، عمليّة ستؤدّي إلى سيطرة الأذكياء عند حلول مرحلة الانتعاش، على أن تستمرّ المنافسة، وتنطلق دورة جديدة.


مقرّ الجودة!

من بين الشركات الكبرى الموجودة في «وادي السيليكون» في كاليفورنيا تبرز أسماء مثل «Google» و«Adobe Systems» و«Cisco Systems» و«Intel» و«Yahoo!» و«HP» إضافةً طبعاً إلى «Microsoft» التي يعدّ مركزها الأساسي في ريدموند في واشنطن. وتلك الشركات تعمل في مجالي إنتاج البرامج والأدوات التكنولوجيّة والإنترنت. وقد اكتسب الوادي تسميته من العدد الكبير للشركات المصعنّة لشرائح السيليكون الإلكترونيّة التي اتخذته مقراً، وأصبح يرمز الآن إلى قطاع التكنولوجيا العالية الجودة، ويقارب عدد موظّفي الشركات فيه 230 ألف موظّف.