strong>خفض «أوبك» لإنتاجها النفطي «يتوقف على الوضع الاقتصادي» العالمي غير أنّها تريد سعراً للبرميل عند 70 دولاراً. هذا الطرح مثير للجدل فعلاً، إلّا أنّه حتمي نظراً للتناقضات التي تحكم خيارات منظّمة الدول المصدّرة للنفط منذ الصيف الماضي، التي تجعل تصريحات مسؤوليها تتجاذبها «الضرورة» و«الطموحات» والخوف من الاستغلال
شدّد الأمين العام لمنظّمة الدول المصدّرة للنفط، عبد الله البدري خلال زيارته للجزائر أمس تحضيراً لاجتماع «أوبك» المرتقب في 28 من الشهر المقبل، على أنّ سعر 50 دولاراً لبرميل النفط «غير كافٍ لتغطية أكلاف الاستثمارات في المستقبل» وأنّ السعر الذي تنتج منه عائدات «منطقيّة ومقبولة» هو أعلى من 70 دولاراً. حديث البدري يأتي في سياق التجاذب الدائر بين المنظّمة والدول المستهلكة منذ العام الماضي الذي شهد وصول سعر الوقود الأحفوري إلى مستوى قياسي بلغ 147 دولاراً للبرميل. فالمسؤولون في «أوبك» تنبّهوا إلى أنّه لا يمكن رفع السقف كثيراً في ما يتعلّق بالأسعار في ظلّ الركود الاقتصادي القائم، وفي الوقت نفسه لا يمكنهم البقاء على حياد مع تراجع سعر البرميل بنسبة 70 في المئة منذ الصيف الماضي.
والموضوع مرتبط أساساً بالمفاعيل الاستراتيجّة لإنتاج الخام. فإذا بقيت الأسعار عند مستويات «منخفضة» فستضطرّ «أوبك» إلى خفض جديد في الإنتاج، وذلك لتدارك استمرار ارتفاع المخزونات. وهي عمليّة تستفيد منها البلدان المستهلكة، وتحديداً في العالم الصناعي، المتأثّر أساساً بالأزمة الاقتصاديّة العالميّة.
وهذا ما أكّده البدري الذي يبدو أنه يمثّل التيّار الجذري في المنظّمة، إلى جانب إيران طبعاً. فهو قال: «إذا واجهنا أيّة مشكلة، فإن أوبك لن تتردد في اتخاذ أي قرار جديد لتحقيق استقرار السوق». والاستقرار في هذا السياق يعني ارتفاع الأسعار وموزانة العرض والطلب وفق معايير المنظّمة التي تتخذ من فيينا مقراً لها.
غير أنّ طروحات البدري تتضارب مع رؤية لاعبين أساسيّين في «أوبك»، أو قد يكون ذلك من باب توزيع الأدوار لإيصال الرسائل إلى السوق، بعدما تلقّت المنظّمة رسائل حادّة نسبياً من «وكالة الطاقة الدولية»، على المستوى العلني، ومن الولايات المتّحدة، المستهلك الأوّل للنفط في العالم، عبر اتصالات سريّة سبقت الاجتماع الأخير للمنظّمة الذي لم تقرّ فيه أيّ خفوضات جديدة.
فقد تزامن حديث البدري، مع إشارة وزير النفط السعودي، علي النعيمي، إلى أنّ سعر 50 دولاراً للبرميل، يعدّ «مساهمة السعودية» في استعادة الاقتصاد العالمي عافيته، غير أنّه حذّر في الوقت نفسه من أنّه إذا بقيت الأسعار منخفضة أكثر من اللازم لوقت أطول من اللازم فقد يحمل هذا في طياته بوادر قفزات سعرية مستقبلاً، وفقاً لما نقلته وكالة «فرانس برس» من قمّة استضافتها طوكيو أمس، جمعت وزراء «أوبك» مع وزراء ومسؤولين من 13 بلداً مستهلكاً للنفط في آسيا.
ويبدو أنّ الموقف السعودي يوافق عليه الجانب القطري. فقد قال وزير النفط القطري عبد الله العطيّة، إنّ السعر المتراوح بين 40 دولاراً و50 دولاراً للبرميل «عمليّ جداً» في خلال عام 2009 نظراً لوضع الاقتصاد العالمي، الذي يتوقّع أن يتقلّص بنسبة 1.3 في المئة وفقاً للتقديرات الأخيرة التي عرضها صندوق النقد الدولي.
ولفت العطيّة إلى أنّ منتجي النفط ومستهلكيه «يحاولون الحصول على مزيد من الصراحة»، وقال: «نحن في القارب نفسه. علينا أن نعمل بجدّ للتأكد من أنّ هذا القارب آمن للسفر، وإلاّ فإنك لن تصل إلى وجهتك أبداً».
ويبقى أنّ الاستمرار عند المستويات السعريّة الحاليّة يهدّد الاستثمارات. وهذا ما أكّده المشاركون في مؤتمر طوكيو. فهم قالو إنّ الاستثمار المناسب والمتواصل في مجال الطاقة ضروري لكونه وسيلة لتحقيق التوازن بين العرض والطلب في المستقبل. فبحسب وزير المال الياباني، توشيهيرو نيكاي، إذا أدى الانتعاش الاقتصادي العالمي إلى تحفيز الطلب، فمن شأن ذلك أن يسبب انكماشاً في إمدادات الطاقة.
لكن في هذه المرحلة الحسّاسة يبدو صعباً جداً تحديد الوقت المناسب للضغط باتجاه رفع الأسعار لضمان الاستثمارات في ظلّ الركود القائم، لذلك يبدو أن اجتماع «أوبك» المقبل لن يحمل جديداً على صعيد الحصص الإنتاجيّة والكميّة الكليّة من النفط المنتج يومياً الذي يمثّل 40 في المئة من النفط العالمي.
وأقر المشاركون وفقاً لما نقلته وكالة «يو بي آي»، بأنّ «التقلبات المفرطة في أسعار النفط غير مرغوب فيها للمنتجين والمستهلكين للطاقة على حدّ سواء، وأن للأسواق الماليّة تأثيراً على تحديد أسعار النفط»، وفي ذلك إشارة إلى صناديق التحوّط وغيرها من المستثمرين الذين يميلون إلى السعي لتحقيق أرباح على المدى القصير. ورحّبوا بالاقتراح الذي تقدّمت به اليابان بأن يعمل منتجو النفط ومستهلكوه في المنطقة معاً لتوحيد التوقعات في ما يتعلق بالعرض والطلب في خطوة لتحقيق الاستقرار في أسواق الطاقة.
(الأخبار)


دور روسيا

يرى عبد الله البدري أنّ التزام الدول الأعضاء في «أوبك» بخفوضات الإنتاج ممتاز، لكن ينبغي حجب 722 ألف برميل يومياً عن السوق لتحقيق الامتثال الكامل، لكن استقرار الأسواق يحتاج أيضاً إلى إسهام البلدان المنتجة من خارج «أوبك»، وفي هذا السياق قال البدري: «نحث روسيا على الإسهام في جلب أسعار النفط إلى مستوى مقبول»، وبحسب وزير النفط الروسي، سيرغي شماتكو، فإنّ المستوى الحالي لا يكفي لتمويل أنشطة التنقيب والإنتاج، متوقّعاً ارتفاع الأسعار إلى ما بين 70 دولاراً و80 دولاراً للبرميل في غضون 12 إلى 18 شهراً.