Strong>تقلّص الاقتصاد الأميركي بنسبة 6.1 في المئة خلال الفصل الأوّل من العام الجاري، ما يمثّل نسبة من بين أكبر معدّلات النموّ السلبي المسجّل منذ 27 عاماً، وتقدّماً طفيفاً جداً مقارنةً بالنتائج المحقّقة في الفصل الأخير من العام الماضي حين كانت الأزمة الماليّة في أوجها. رقم سلبي يزيد مستوى التحدّيات أمام الرئيس باراك أوباماخالف نموّ الناتج المحلّي في الولايات المتّحدة توقّعات المحلّلين سلباً وتراجع بنسبة 6.1 في المئة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، بعد تقلّص بلغت نسبته 6.3 في المئة في الفصل الأخير من العام الماضي، الذي شهد انفجار أزمة الائتمان كلياً، وانتقال تأثيرها إلى الجوانب الحقيقيّة من أكبر اقتصاد في العالم.
وأوضحت أرقام مكتب التحليلات الاقتصاديّة التابع للحكومة في واشنطن أنّ هذا التقلّص الفصلي هو الثالث على التوالي، ويختم أسوأ فترة 6 أشهر يمرّ بها الاقتصاد منذ خمسينيّات القرن الماضي. واللافت هو أنّ الاقتصاديّين والمحلّلين كانوا يتوقّعون انكماشاً بنسبة 4.7 في المئة فقط، وهذا ما كان قد أنعش آمال المستثمرين والمستهلكين على حدّ سواء على اعتبار أنّ التطوّر كان سيبلغ 1.6 نقطة.
ويبدو أنّ الانكماش في نشاط استثمارات قطاع الأعمال قاد هذا التوجّه الانكماشي الحادـ وخذل جميع الترجيحات وحتّى آمال الرئيس باراك أوباما، الذي يبدو أنّ فترة الـ100 يوم من رئاسته ستمتدّ أهميّتها الاقتصاديّة إلى مرحلة أطول من ولايته الأولى وربّما الثانية!
وتقنياً خفضت الشركات خلال الفترة الممتدّة بين كانون الثاني وآذار الماضيين، إنفاقها الاستثماري بنسبة 38 في المئة على أساس سنوي، وخفضت مخزوناتها بواقع 103.7 مليارات دولار، في إطار خطط إعادة الهيكلة التي تعتمدها لخفض الأكلاف. وإذا استُثني خفض المخزونات فإنّ نسبة التقلّص تتقزّم إلى 3.4 في المئة، وهو معدّل يُعرف بـ«المبيعات النهائيّة الحقيقيّة».
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ استثمار الأعمال في قطاع المعدّات التكنولوجيّة والبرامج تراجع بنسبة 33,8 في المئة، كما انخفض الاستثمار في المنشآت الجديدة بنسبة 44.2 في المئة. وحتّى الإنفاق الحكومي على الاستثمارات تقلّص بنسبة 4 في المئة، فيما تراجعت الصادرات بنسبة 40 في المئة.
وهذا التراجع الحاد الذي يشهده اقتصاد الـ14 تريليون دولار، يعكس بوضوح التأثير الحاد لأزمة قطاع الإسكان (انفجار فقاعة الرهون العقاريّة)، إضافة إلى أزمة الائتمان والأزمة الماليّة طبعاً التي تعدّ الأسوأ منذ ثلاثينيّات القرن الماضي. والركود الذي بدأ منذ كانون الأوّل عام 2007 عصف بحدّة بالاقتصاد ملغياً نحو 5.1 ملايين وظيفة، ورافعاً معدّل البطالة إلى 8.5 في المئة في ظلّ توقّعات جديّة بأنّه سيتجاوز حاجز الـ10 في المئة في نهاية العام الجاري.
ولعلّ التطوّر الإيجابي الوحيد الذي شهده الاقتصاد هو نموّ الإنفاق الاستهلاكي بنسبة 2.2 في المئة بعد فصلين من التراجع. وهنا قد تظهر بذور الانتعاش المستقبلي، حيث يعتمد الاقتصاد بثلثيه على النشاط الاستهلاكي
ولمواجهة الركود خفض الاحتياطي الفدرالي (المصرف المركزي الأميركي)، بقيادة بن برنانكي، معدّل الفائدة الرئيسيّة إلى مستوى قياسي يراوح بين صفر في المئة و0.25 في المئة، وعرض مجموعة من البرامج الجذريّة من أجل تحفيز سوق الائتمان. ومن بين تلك البرامج «التحفيز الكمّي» الذي يطبع بموجبه المصرف المركزي الأموال ويضخّها في النظام المصرفي.
وكان من المتوقّع أن يحافظ الاحتياطي الفدرالي على معدّل الفائدة عند المستويات الحاليّة بنهاية اجتماع استمرّ يومين وانتهى أمس، وفي ظلّ ترجيحات بأنّ هذا المعدّل سيبقى ثابتاً حتّى العام المقبل. وخلال الأسابيع الأخيرة تحدّث برنانكي وزملاؤه في الاحتياطي عن «مؤشّرات إيجابيّة» عن تراجع حدّة الركود.
وتعوّل إدارة الرئيس أوباما على خطّة التحفيز الاقتصادي التي تبلغ قيمتها 787 مليار دولار، عبارة عن خفوضات ضريبيّة وإنفاق عام على المشاريع الاستثماريّة أبرزها لتطوير البنى التحتّيّة ومشاريع الطاقة البديلة التي تخلق «وظائف المستقبل».
ويأمل أوباما أن تولّد خططه خلق أكثر من ثلاثة ملايين وظيفة خلال العامين المقبلين أو المحافظة علىها، فيما يتوقّع المراقبون أن تبدأ مفاعيل الإنفاق العام الذي سيرفع عجز الموازنة إلى مستويات قياسيّة قد يبلغ 1.7 تريليون دولار، خلال الأشهر المقبلة.
وتفيد تقارير عديدة أنّ الوصول إلى قعر الركود سيتمّ خلال الربيع الجاري، ويقول بعضها إنّ الانكماش لن تزيد نسبته عن 2 في المئة خلال النصف الثاني من العام الجاري. ولكن حتّى في العام المقبل، لن ينمو الاقتصاد أبداً وفقاً لتقرير «آفاق الاقتصاد العالمي» الأخير لصندوق النقد الدولي، ما يعني أنّ الأميركيّين لن يشهدوا تحسّن أوضاعهم الاقتصاديّة والاجتماعيّة في المدى القصير وربّما لن يتنهي نزف الوظائف إلّا في النصف الثاني من العام المقبل.
(الأخبار)


مفاعيل إيجابيّة

خلال الفترة الماضية هدأت الأسواق الماليّة التي خرجت عن السيطرة كلياً في خريف العام الماضي وسجّلت خسائر تريليونيّة قاربت قيمتها 50 في المئة من الناتج الداخلي العالمي. كما أنّ مبيعات التجزئة وطلبيّات المصعنّين لم تعد تسجّل الانخفاضات القياسيّة، وأظهرت تقارير نشرت في بداية الأسبوع الجاري أنّ تراجع أسعار المنازل بقي ثابتاً، وذلك للمرّة الأولى منذ 16 شهراً. وفي هذا السياق يرى العديد من الخبراء أنّ مفاعيل خطط التحفيز المالي والاقتصادي ستظهر خلال الأشهر الـ12 المقبلة، ما ينعكس إيجاباً على الأداء الاقتصادي.