واجهت شركات الطيران ظروفاً صعبة العام الماضي. فارتفاع أسعار الوقود وموجة الركود العالمي رفعتا أكلافها دراماتيكياً. وعام 2009 «حرج» أيضاً بالمعنى المالي لتلك الشركات وللمصنّعين وفقاً لنائب رئيس قسم التسويق في «Boeing»، راندي تينسيث، الذي قدّم دراسة في بيروت، أعدّتها شركته، تتوقّع حاجة العالم إلى 29400 طائرة جديدة بحلول عام 2027 قيمتها 3.2 تريليونات دولار
حسن شقراني
«يبدو أنّ شركات الخطوط الجويّة ستنهي العام الجاري بأكلاف وعائدات متساوية». ليس بمقدور نائب رئيس قسم التسويق في شركة صناعة الطيران الأميركيّة «Boeing»، راندي تينسيث، سوى الإدلاء بهذا القدر من المعلومات في شأن الأداء المالي لشركات الخطوط الجويّة، وبالتالي شركات صناعة الطائرات وسط موجة الركود التي تسيطر على الاقتصاد الكوني. فرغم أنّ القطاع الذي تعمل فيه شركته يعدّ استراتيجياً بامتياز نظراً للبعد الزمني الفاصل بين طلب الطائرات وتسليمها، فإنّه «يجب أن نراقب الأسواق شهراً بشهر، وأن نرفق التطوّرات بالدراسات الاستراتيجيّة» لضمان هامش التنافسيّة مع العمالقة الآخرين في الصناعة عالمياً وتحديداً «Airbus». فالمصنّع الأوروبي يعدّ حالياً الأوّل عالمياً، إذ إن حجم طلبات التصنيع التي تلقّاها خلال 11 شهراً من عام 2008 بلغ 756 طلباً فيما سجّلت الشركة الأميركيّة 662 طلباً للعام كلّه.
تيسنيث قال لـ«الأخبار» عقب إطلاق دراسة عن قطاع صناعة الطائرات والخطوط الجويّة في العالم، وتحديداً في الشرق الأوسط للأعوام العشرين المقبلة، إنّ «تراجع أسعار النفط ساعد كثيراً على خفض أكلاف شركات الخطوط الجويّة وتعويض نقص الطلبيّات الذي يسبّبه الركود العالمي»، ولكن هذا الواقع محرج مالياً أيضاً للشركة الأميركيّة التي اضطرّت في الخريف الماضي إلى تعديل خطط الإنتاج بسبب إضراب نظّمه العمّال الميكانيكيّون فيها استمرّ 8 أسابيع.
وكما يرتقب العالم عودة النموّ لتتعافى القطاعات الأكثر تضرّراً ويعود النموّ بقوّة إلى تلك الأقلّ تأثّراً، تنتظر صناعة الطائرات انتعاش الاقتصاد العالمي، الذي تقول أكثر الترجيحات تشاؤماً إنّه سيتقلّص بنسبة 0.5 في المئة في عام 2009، ويتضاعف مردود النموّ الاقتصادي على قطاع صناعة الطائرات، «فكلّ نسبة نموّ تبلغ 3 في المئة تنعكس نموّاً بنسبة 5 في المئة في صناعتنا» وفقاً لتيسنيث، الذي انتقل خلال الـ28 عاماً التي عمل فيها لدى «Boeing» من الهندسة إلى إدارة المبيعات ثمّ إلى التسويق.
وبين عامي 1978 و2008، شهد قطاع النقل الجوّي نمواً بنسبة 5.3 في المئة سنوياً. ومباشرةً بعد تخطّي مرحلة الركود العالمي سيعود هذا النموّ بقوّة، إذ تتوقّع الدراسة أن شركات الخطوط الجويّة ستحتاج إلى 29400 طائرة جديدة من الآن حتّى عام 2027، تبلغ قيمتها 3.2 تريليونات دولار، تتوزّع بين 80 مليار دولار للطائرات النفّاثة الإقليميّة و1.36 تريليون دولار للطائرات ذات الممرّ الواحد و1.47 تريليون دولار للطائرات ذات الممرّين و290 مليار دولار للطائرات الكبيرة.
وتركّز الدراسة على أهميّة الطلب في الشرق الأوسط، فهي تتوقّع أن تبقى الطائرات القديمة تمثّّل 17.8 في المئة من ذلك السرب (الذي سيصبح حجمه 35800 طائرة في عام 2027). ولكن بعد 20 عاماً سيصبح سرب الطائرات في الشرق الأوسط كلّه جديداً. فالخطوط الجويّة في هذه المنطقة تحتاج إلى 1580 طائرة جديدة خلال الفترة المذكورة، تبلغ قيمتها 260 مليار دولار، أي ما يمثّل 8.12 في المئة من القيمة الإجماليّة للسرب العالمي الجديد.
وهذا الواقع يدفع «Boeing» ومنافساتها إلى التركيز على المنطقة الغنيّة بالنفط. ومن هذا المنطلق كانت أهميّة زيارتي تيسنيث للقاهرة وبيروت. ولكن «مؤهّلات» المنطقة تواجهها تعقيدات إضافيّة تتعلّق بالهيكليّات الهشّة لاقتصاداتها. على سبيل المثال فإنّ المكتب الإقليمي للشركة الأميركيّة هو في دبي، ولكن عند سؤاله عن استراتيجيّة التمركز في الإمارة وإمكان نقل إدارة العمليّات إلى أبو ظبي التي «تسرق الأضواء حالياً»، يطيل تيسنيث الشرح بشأن كيف أنّ المركز في دبي هو للعمليّات الإقليميّة أكثر منه تخصيصاً للمدينة الإماراتيّة.
غير أنّ الوقائع تفيد عكس ذلك. فنظرة «Boeing» الاستراتيجيّة ترصد المطار الدولي الذي يُبنى في دبي، والذي سيكون الأكبر عالمياً لجهة استيعاب المسافرين، على أن يُخصّص المطار القديم لنقل البضائع. ولكن الشركات في الإمارة التي وجّهت إليها الأزمة الماليّة العالميّة ضربة قاسية، تغيّر استراتيجيّاتها. على سبيل المثال فإنّ شركة إيجار الطائرات في دبي، «LCAL»، ألغت طلب 16 طائرة «Boeing Dreamliner» وهي من فئة «787» من أصل 21 طائرة كانت قد طلبتها سابقاً. وقيمة الوحدات الملغاة تبلغ 2.8 مليار دولار.
هذه التعقيدات المتعلّقة بقطاع صناعة الطائرات تدفع الشركات العملاقة إلى دمج «المدى القصير» بـ«البعد الاستراتيجي» حسبما شدّد تيسنيث أكثر من مرّة.


دعونا ننتظر

الواقع الصعب حتّى في أكثر المناطق إيجابيّة في مراحل الأزمات، يزيد التحدّيات على شركات صناعة الطيران، وبينها «Boeing». فالخطوط الجويّة في منطقة آسيا ـــ المحيط الهادئ، التي قادت النموّ العالمي في هذا القطاع خلال السنوات السابقة، سجّلت تراجعاً بنسبة 9.7 في المئة في كانون الأوّل الماضي على أساس سنوي، فيما سُجّل النموّ في الشرق الأوسط وأميركا اللاتينيّة فقط. وهو ما يعلّق عليه راندي تيسنيث بالقول «دعونا ننتظر ما سيحدث»، لأنّه رغم تنوّع التقديرات لا بدّ من معرفة كيفيّة تطوّر الأوضاع في السوق لتتطوّر توقّعاتنا.