strong>ينحدر اقتصاد منطقة اليورو في ركود أعمق يوماً بعد يوم، ما حتّم على المصرف المركزي الأوروبي الذي يصوغ السياسات النقديّة لتلك المنطقة، خفض سعر الفائدة الأساسيّة إلى مستوى متدنّ قياسي بلغ 1.5 في المئة. وهو إجراء قد يؤذي سعر صرف اليورو، إنّما يؤمل بأن يكون محفّزاً للنشاط الاقتصادي. وإذا فشل خفض الفائدة يمكن اللجوء إلى تدابير «التسهيل الكمّي»
مع اتخاذه قرار خفض سعر الفائدة إلى 1.5 في المئة، وهو أدنى مستوى منذ نشوء منطقة اليورو قبل 10 سنوات، يكون المصرف المركزي الأوروبي قد خفض سعر تلك الفائدة بواقع 275 نقطة أساس منذ تشرين الأوّل الماضي. والهدف من هذه الخفوضات واضح: تحفيز الطلب على اليورو لهدف الأعمال أو الاستهلاك ودعم اقتصاد منطقة العملة الأوروبيّة الموحّدة، التي تضمّ 16 بلداً، فيما تزداد حدّة الركود العالمي.
ومع استمرار موجة هذا الركود، يتوقّع المحلّلون أن يجري المصرف المركزي الذي يتخذ من فرانكفورت مقراً له، خفوضات إضافيّة خلال الأشهر المقبلة، وخصوصاً أنّ مكتب الإحصاءات الأوروبي «Eurostat»، أكّد أنّ الناتج المحلّي الإجمالي للمنطقة تقلّص بنسبة 1.5 في المئة في الفصل الأخير من العام الماضي، مقارنة بالفصل السابق. وعلى أساس سنوي، بلغت نسبة التقلّص 1.3 في المئة، أي أعلى من نسبة الـ1.2 في المئة التي كانت متوقّعة سابقاً.
وأدّت إلى النتائج الفصليّة السلبيّة بشكل أساسي، أرقام التجارة الدوليّة، إذ نتج منها تقلّص بنسبة 0.9 في المئة. فالصادرات انخفضت بنسبة 3.1 في المئة، فيما تقلّصت الواردات بنسبة 2.2 في المئة.
أمّا ضعف الطلب الاستهلاكي فقد أدّى إلى تقلّص بنسبة 0.5 في المئة، وارتفعت هذه النسبة إلى 0.6 في المئة في قطاع الاستثمارات، ليؤدّي تراجع الإنفاق الحكومي إلى تقلّص بنسبة 0.1 في المئة.
وأوضحت أرقام «Eurostat» أنّ نسبة نموّ الناتج المحلّي الإجمالي في عام 2008 بلغت 0.8 في المئة في منطقة اليورو و0.9 في المئة في منطقة الاتحاد الأوروبي التي تضمّ 27 بلداً. وذلك مقارنة بنسبة بلغت 2.6 في المئة و2.9 في المئة على التوالي في عام 2007.
وإذا لم تنجح التدابير الحاليّة للمصرف المركزي في تحفيز النشاط الاقتصادي في المنطقة خلال الفترة المقبلة، يمكن اللجوء إلى «إجراءات استثنائيّة» تحدّث عنها محافظو المصارف المركزيّة حول العالم خلال الفترة الأخيرة. تلك الإجراءات تضمّ عمليّة تسمّى «التسهيل الكمّي» ولجأت إليها اليابان تحديداً في الفترة الممتدّة بين عامي 2001 و2006.
وبحسب هذه العمليّة، يُغرق المصرف المركزي النظام المصرفي بكميّات ضخمة من السيولة، يكون حجمها إجمالاً أكبر من حاجة المصارف للحفاظ على معدّلات الفائدة الرئيسيّة عند مستوى الصفر أو قريبة منه، وذلك بهدف إنعاش النظام ورفع مستويات الإقراض، يتمّ ذلك من خلال شراء كميّات ضخمة من الأصول من المصارف.
وكان صانعو السياسات في المصرف المركزي الأوروبي قد تحدّثوا عن إمكان اللجوء إلى هذا الإجراء، إلّا أنّهم شدّدوا مراراً على عدم اتخاذ أي قرار في هذا السياق. ووفقاً لاستطلاع أجرته وكالة «رويترز» فإنّ 40 في المئة من المحلّلين يرون أنّ المصرف متّجه صوب هذا الخيار، باعتبار أنّ الأوضاع الاقتصاديّة سيّئة جداً في منطقة اليورو، ولا يمكن لأداة خفض الفوائد وحدها التأثير على الأوضاع الائتمانيّة.
وفي الولايات المتّحدة، حيث خفضت الفائدة الأساسيّة إلى ما بين صفر في المئة و0.25 في المئة، يرى الاقتصاديّون أنّ إجراءات الاحتياطي الفدرالي (المصرف المركزي) التي قضت بتوسيع موازنته إلى أكثر من تريليوني دولار، تعدّ «تسهيلاً كمّياً». فالاحتياطي أطلق الثلاثاء الماضي برنامجاً قيمته 200 مليار دولار يقضي بدعم الأوراق الماليّة التي تغطّي القروض الممنوحة للطلّاب ولشراء السيّارات ومختلف السلع الاستهلاكيّة.
وإجراءات الاحتياطي تعدّ رائدة، وتستند إلى تشديد رئيسه، بن برنانكي، على أنّ اقتصاد البلاد لن يشهد تحسّناً قبل نهاية عام 2009 أو مطلع 2010. فـ«احتمالات تحسّن الظروف على المدى القريب ضئيلة» في ظلّ ارتفاع البطالة في كل المناطق مع ازدياد عمليات الصرف وتجميد تعيين موظفين جدد.
وبالعودة إلى أوروبا، فإنّ خفض الفوائد امتدّ إلى بريطانيا، حيث أعلن المصرف المركزي البريطاني خفض الفائدة الأساسيّة بواقع 50 نقطة أساس إلى 0.5 في المئة، معلناً برنامجاً يقوم بموجبه بشراء سندات حكوميّة وسندات شركات بقيمة 150 مليار جنيه استرليني (225 مليار دولار). وهذه العمليّة تدرج أيضاً ضمن إجراءات «التسهيل الكمّي». ليكون المصرف البريطاني الأوّل أوروبياً في هذا السياق. وهو يقول إنّ البرنامج يمكن تمويله عبر مراكمة الاحتياطات وقد يتطلّب إطلاقه 3 أشهر من التحضيرات.
وهنا يمكن إبراز ما أوردته صحيفة «Financial Times» عن «التسهيل الكمّي»، إذ تقول إنّه «يؤكّد تصميم السلطات على مواجهة المستنقع الذي يغرق فيه الطلب في الاقتصاد البريطاني».
(الأخبار)


استعداد للإجراْءات

منذ تفاقم الأزمة الماليّة العالميّة وانعكاسها على الجوانب الاقتصاديّة الإنتاجيّة، تزداد التحديّات في وجه المصارف المركزيّة حول العالم لتحفيز الاقتصاد عبر أدوات السياسة النقديّة. وإذ يظهر في بعض البلدان أنّ خفض الفوائد ليس كافياً، يزداد الحديث عن «التسهيل الكمّي». فالمصرف المركزي الياباني لا يستبعد العودة إلى هذا الإجراء، وهو كان قد أعلن برنامجاً قيمته 10 مليارات دولار لشراء سندات الشركات. كذلك أعرب المصرف المركزي الكندي عن استعداده للجوء إلى تلك الإجراءات بعدما خفض الفائدة إلى 0.5 في المئة.