مع إطلاق الرئيس الأميركي باراك أوباما خطّة التحفيز الاقتصادي بقيمة 787 مليار دولار، ارتفعت وتيرة الحديث عن «New Deal» (اتفاق جديد: عقد اجتماعي جديد) يشبه ذلك الذي أطلقه الرئيس فرانكلين روزفلت عام 1933 لمواجهة «الكساد العظيم». وللرخاء الاقتصادي والحماية البيئيّة تحتاج الأرض إلى «عقد كوني جديد» بصبغة خضراء
حسن شقراني
يتحدّث الجمهوريّون والنيوليبراليّون في الولايات المتّحدة كثيراً عن «مخاطر» خطّة الرئيس باراك أوباما للتحفيز الاقتصادي. فهي تعيد تأكيد أهميّة الدور التاريخي لدولة الرعاية الاجتماعيّة، وخصوصاً في أوقات الأزمات الاقتصاديّة التي إن امتدّت تتحوّل إلى فوضى اجتماعيّة، وهو آخر ما تحتاج إليه «أميركا ـــــ الرئيس الأسود الأوّل» في ظلّ تضاعف أعداد المنظّمات العنصريّة من حليقي الرؤوس والمنظمات العنصريّة التقليديّة (Klu Klux Clan مثالاً). وبلغت نسبة الارتفاع حوالى 40 في المئة بين عامي 2006 و2009 فقط!
لكن في هذه الأوقات قد لا تكون أصوات المعارضين للخطّة فقط وجهة نظر، بل قد تكون طرحاً رجعياً. فبحسب تجربة المرحلة منذ الخريف الماضي وحتّى الآن، يظهر أنّ الأموال الحكوميّة (أموال دافعي الضرائب) استطاعت تجنيب الاقتصاد العالمي مصائب أكثر فداحة من المسجّل. واستخدمت تلك الأموال لتأميم المؤسّسات الماليّة العملاقة ولدعم ميزانيّات مصارف كبرى لتصبح الكلمة السرّ في «ركود الأزمة الماليّة»: التأميم الجزئي.
وتريد الإدارة الديموقراطيّة من خلال الخطّة المقترحة زيادة الإنفاق العام، أي زيادة حصّة الحكومة في سوق العمل، من خلال مشاريع تطوير البنى التحتيّة وأنظمة الطاقة البديلة والمشاريع العامّة. وهنا يظهر مستوى التقارب بين قانون الـ«New Deal» الذي أقرّه الرئيس فرانكلين روزفلت في بداية ثلاثينيّات القرن الماضي. فهذا الرئيس الديموقراطي تلمّس الطريق الاجتماعي ـــــ الاقتصاديّ الأسلم لإنقاذ اقتصاد بلاده من الكساد العظيم الذي ولّدته أزمة البورصات التي انطلقت عام 1929.
ولكن إذا كانت الخطّتان تفترضان الحجم نفسه من الإنفاق العام بالنسبة إلى الناتج المحلّي الإجمال (5.6 في المئة لخطّة أوباما و5.9 في المئة لخطّة روزفلت) إلّا أنّ حجم خطّة روزفلت كان يساوي 1.65 مرّة العائدات الحكوميّة الإجماليّة، أي ما يمثّل 5 أضعاف النسبة التي تفترضها خطّة أوباما.
وهذا الفارق مبرّر نظراً للإجراءات الهيكليّة التي افترضتها خطّة الثلاثينيّات، إذ أُنشئت من خلالها إدارة الأشغال العامّة. وهي أُرفقت في ما بعد بـ«New Deal» ثانية في عام 1935 أنشأت «إدارة الرقابة على الأعمال»، التي بنت المطارات والجسور والأبنية العامّة في مختلف المناطق الأميركيّة.
غير أنّ مستوى أهميّة الخطّتين هو نفسه، فمثلما كانت الخطّة الأولى تهدف إلى إطلاق تدابير للقضاء على البطالة التي وصل معدّلها إلى 25 في المئة في عام 1933 (بلغ متوسّط معدّل البطالة 18 في المئة للعقد الثلاثيني بأكمله)، تطمح خطّة أوباما للمحافظة على أو إنقاذ أكثر من 3 ملايين وظيفة. والبيانات التي نشرتها وزارة العمل أمس تشير إلى أنّ الوقت يمرّ بسرعة. فقد ارتفع معدّل البطالة في شباط الماضي إلى 8.1 في المئة، إذ فقد الاقتصاد 651 ألف وظيفة. وبعض المحلّلين، بينهم الرسميّون، يرجّحون تجاوز المعدّل حاجز الـ9 في المئة بنهاية العام الجاري.
أمّا الخلاف النوعي بين الخطّتين فهو يكمن في أنّ خطّة روزفلت افترضت أنّ الرافعة الاقتصاديّة التاريخيّة للاقتصاد هي رفع مستوى تدخّل الدولة في الاقتصاد لخلق الوظائف، وخطّة أوباما تتحدّث عن الرافعة نفسها، إلّا أنّها تفترض أيضاً الاستثمار في الطاقة البديلة وخفض مستوى الاعتماد على النفط الخارجي، حيث لا تزال الولايات المتّحدة المستهلك الأوّل للنفط بطلبها حوالى ثلث الـ85 مليون برميل العالميّة يومياً.
وهنا يبرز التماهي أيضاً بين خطّة أوباما والجهود الكونيّة المطلوبة لخفض انبعاث الغازات الحارّة، وفي الوقت نفسه تحفيز الاقتصادي من خلال زيادة حجم الاستثمارات في قطاع جديد نسبياً. وهذا بالتحديد ما شدّد عليه رئيس الوزراء البريطاني أمس. فهو تحدّث عن كيف أنّ الاستثمار في المشاريع «الخضراء» يساعد الاقتصادي العالمي على استعادة عافيته.
ويرى براون أنّ تلك الاستثمارات ستخلق حوالى 400 ألف وظيفة في المملكة المتّحدة، التي يبلغ ناتجها المحلّي الإجمالي حوالى 2.9 تريليون دولار، خلال ثماني سنوات، فكيف بالأحرى إذا أطلقت تلك الاستثمارات على الصعيد العالمي؟
هذه الفكرة شدّد عليها برنامج الأمم المتّحدة للبيئة (UNEP) في منتصف الشهر الماضي، وتحدّث عن أنّه ما لم تركّز البرامج الحكوميّة للإنقاذ الاقتصادي على الجوانب البيئيّة (خفض انبعاثات الكربون، حماية الأنظمة البيئيّة...) إضافة إلى خفض الفقر، فإنّ «قدرتها على احتواء الأزمات المستقبليّة ستكون محدودة».
...أطلق باراك أوباما «New Deal» خاصّته بطموحات خضراء والعالم يأمل تطبيقها وإطلاق مثيلات لها.


الأعمال كالعادة!

يقول تقرير برنامج الأمم المتّحدة للبيئة إنّ «اتفاقاً كونياً جديداً (متعلّق بالطاقة البديلة) ليس ضرورياً فقط لتحقيق اقتصاد عالمي أخضر، بل أيضاً لتأمين أنّ التوليفة المناسبة من السياسات الاقتصاديّة والاستثمارات والحوافز وخفض الاعتماد على مصادر الطاقة المولّدة للغازات الدفيئة، ضروريّة لحماية الأنظمة البيئيّة وخفض نسبة الفقر، وفي الوقت نفسه إطلاق التعافي الاقتصادي وخلق الوظائف». ويشدّد على أنّ إعادة الاقتصاد العالمي على قاعدة سيناريو «الأعمال كالعادة»، سيدفع إلى نشوء كوارث اقتصاديّة واجتماعيّة وبيئيّة.