strong>طبّقت سوريا إصلاحات ماليّة واقتصاديّة خلال السنوات الماضية من أجل دعم القطاعات الإنتاجيّة وتلك المتصلة بعالم المال والأعمال. إحدى نتائج تلك الإصلاحات ظهرت أمس، عندما قرع وزير المال، محمّد الحسين، جرس بداية أوّل جلسة تداول في بورصة دمشق للأوراق الماليّة بعذ غياب طويل، على الرغم من «العام الصعب» الذي يمرّ به الاقتصاد الرقم 11 عربياً

بعد طول انتظار أعلن وزير المال السوري محمد الحسين رسمياً أمس انطلاق سوق دمشق للأوراق المالية، التي تعدّ إحدى الثمار الأساسيّة التي نتجت من الإصلاحات الاقتصاديّة الهيكليّة التي هدفت ولا تزال إلى تحرير الاقتصاد، الذي يبلغ حجمه 27.3 مليار دولار (وفقاً لأرقام عام 2007)، وفقاً لمبادئ السوق من أجل تحفيز القطاعات المختلفة. وبدأ التداول في السوق الماليّة عبر ستّ شركات حاصلة على الموافقة الأولية للإدراج في السوق، برأس مال يصل إلى 230 مليون دولار أميركي. وبحسب صحيفة «Financial Times» فإن الشركات هي: «بنك بيمو»، «المصرف السعودي الفرنسي»، «بنك سوريا والمهجر»، المجموعة المتّحدة للنشر والإعلان والتسويق»، «البنك العربي السوري»، شركة الأهليّة للنقل» و«بنك عودة ـــ سوريا». كما قدّمت أربع شركات أخرى طلبات لتدرج أسهمها في السوق.
ونقلت وكالة الأنباء السوريّة الرسميّة (سانا) عن الحسين قوله لدى افتتاحه السوق الموجودة في منطقة البرزة، «في هذه اللحظات نعلن دخول الاقتصاد السوري مرحلة جديدة، إنّها لحظة انطلاق سوق دمشق بعد غياب هذه المؤسسة عقوداً طويلة من المشهد الاقتصادي». وأضاف إنّ «هذا الحدث بدلالاته القوية يؤكد مضيّ سوريا بقوة في استكمال برنامج الإصلاح الاقتصادي رغم كل الظروف الاقتصادية الدولية والصعوبات».
ووفقاً للحسين اختارت دمشق «افتتاح السوق في ظل هذه الظروف بوعي وإدراك بما أصاب أسواق المال في العالم من خسائر أخيراً بسبب الأزمة المالية العالمية الراهنة»، مؤكداً أن الحكومة السورية وهيئة السوق «أعدّتا العدة لعمل شفاف في سوق دمشق للأوراق المالية، وأنها ستكون قناة مهمة لتعبئة الأموال لمصلحة الاستثمار ومكاناً شفافاً لتوظيف مدخرات السوريين».
وعن النتائج المرتقبة من السوق، قال الحسين إنّها ستكون انعكاسات إيجابيّة على الاقتصاد السوري «عبر وظيفة السوق الأساسية المتمثلة في تشجيع الاستثمار واستقطاب رؤوس الأموال والمدخرات لتوظيفها في إنشاء مشاريع تنموية كبيرة وما يتبع ذلك من تنمية وفرص عمل».
ولفت الوزير السوري إلى أنّ «إدارة السوق وهيئة (الأوراق والأسواق المالية) وضعتا أسساً وإجراءات لتحقيق وضبط وظيفة السوق ومنع الممارسات الخاطئة من عدم جواز بيع الورقة المالية إلّا لمن يملكها والبيع على الهامش وعدم بيع الورقة التي جرى شراؤها في اليوم نفسه، إضافةً إلى الرقابة المباشرة على التداول على أيّ سهم عندما يزيد سعره على 2 في المئة في اليوم، كما لا يسمح للمستثمر الأجنبي بتحويل رأسماله الموظف في السوق قبل مضي 6 أشهر على بدء استثماراته».
وعموماً تعدّ هذه الخطوة نوعيّة في عمليّة انفتاح الاقتصاد السوري الذي تبلغ حصّة الفرد من الناتج المحلّي الإجمالي فيه حوالى 1500 دولار. وبحسب الحسين نفسه فإنّ الاقتصاد يواجه «عاماً صعباً جداً»، فالأزمة الماليّة العالميّة إضافةً إلى الجفاف الذي تعانيه البلاد للعام الثالث على التوالي يجعلان الوزير «قلقاً جداً» في ما يتعلّق بالاقتصاد السوري.
وإضافةً إلى انخفاض أسعار النفط دراماتيكياً منذ أواخر العام الماضي، فإنّ إنتاج سوريا من الوقود الأحفوري تراجع بنسبة 2.8 في المئة خلال العام الماضي، ما يقوّض قدرة الحكومة على تمتين عائداتها لزيادة الإنفاق العام.
من جهة أخرى، أدّت الأزمة الاقتصاديّة العالميّة إلى تراجع الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة بنسبة 30 في المئة في عام 2008، فيما انخفض حجم تحويلات السوريّين العاملين في الخارج بواقع 850 مليون دولار.
كما أنّ اعتماد الاقتصاد السوري على خاصيّة التنافسيّة التي تتمتّع بها السلع التي ينتجها، لم يعد قائماً بالشكل التقليدي، فالسلع المنتجة في الصين وجنوب شرق آسيا عموماً تزيد من حدّة التنافسيّة في السوق، وفقاً لما تنقله وكالة «فرانس برس» عن نائب غرفة التجارة في مدينة حلب، إدوارد مكاربنه.
ووفقاً لتعبير «سانا» فإنّ «سوق دمشق للأوراق الماليّة كانت حلماً تحوّل الآن إلى حقيقة رغم مخاوف البعض وتشكيكه»، فيما تأمل الحكومة أن تؤدّي تدابير التحديث إلى انتعاش الاقتصاد.
وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة قرّرت أخيراً دراسة طرح شركات القطاع العام المتعثّرة للاستثمار في إطار جملة من الإجراءات من أجل تطوير أداء القطاع العام الصناعي وزيادة إنتاجيته وقدرته التنافسية «فهناك 20 مؤسسة فقط، من بين 260 مؤسسة عامة، تحوّل فوائد للخزينة العامة»، وفقاً للحسين.
(الأخبار)


محاكم وضرائب

نقلت «سانا» عن محمّد الحسين إشارته إلى قرار الحكومة بالتوجه نحو إنشاء محاكم خاصة للتعامل مع قضايا السوق وقرارات وزارة المال بقبول إعادة تقويم الأصول المعنوية، مثل شهرة المحل وفق أسس وضوابط معيّنة، والسماح لشركات التأمين بالتسجّل في السوق. وأوضح الحسين أنّ النظام الضريبي حدّد ضريبة الدخل على أرباح الشركات المساهمة العامة بـ14 في المئة، فيما الضريبة على المصارف وشركات التأمين 25 في المئة. وأكّد التزام الحكومة بتقديم كل المؤازرة اللازمة لضمان عمل السوق بأفضل الظروف والشروط باتجاه تحقيق الأهداف الموضوعة للسوق وللمستثمرين.