القطاع المصرفي في الوطن العربي لا يمنح قروضاً لتطوير تكنولوجيا المعلومات. معلومة وضعتها الأمم المتّحدة على طاولة بحث في بيروت تهدف إلى تذليل العقبات أمام تطوّر قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في منطقة الـ«إسكوا». فالأزمة الماليّة و«التخمة التكنولوجيّة» و«غموض الابتكارات المنتظرة» تزيد مستوى التحدّيات أمام العالم النامي
حسن شقراني
احتاجت الشبكة الاجتماعيّة على الإنترنت، «Facebook»، إلى عامين فقط لتمسّ 50 مليون إنسان حول العالم، فيما تطلّب الأمر بالنسبة إلى التلفزيون مثلاً 13 عاماً والراديو 38 عاماً... كلّ شهر يُجرى أكثر من 31 مليار بحث على المحرّك الإلكتروني «Google» بعدما كان هذا الرقم 2.7 مليار بحث في عام 2006... إذا كان الموقع الإلكتروني الاجتماعي «My Space» بلداً لكان خامس أكبر بلد في العالم من حيث حجم السكّان... عدد الرسائل القصيرة المرسلة يومياً عبر الهواتف الخلويّة (SMS) يزيد على عدد سكّان الأرض.
أرقام وإحصاءات مذهلة يتضمّنها الشريط الذي أعدّه قسم الأبحاث في شركة الصناعات الإلكترونيّة اليابانيّة «Sony» للإضاءة على أهميّة قطاع تكنولوجيا المعلومات في عصرنا الراهن والإمكانات التي لا يزال يكتنزها. والمسؤول في شركة «Cisco» للصناعات الإلكترونيّة، فادي مبارك، اعتبر هذا الشريط خير وسيلة يبدأ بها مداخلته في شأن مساهمة قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الاقتصادات الوطنيّة، وذلك في لقاء الخبراء الذي تنظّمه الأمم المتّحدة في مبنى الـ«إسكوا» في بيروت حول التحديّات المطروحة أمام هذا القطاع في منطقة غرب آسيا والتوصيات التي يمكن تقديمها.
فحسبما أظهرت تجربة السنوات الماضية، يرتبط نموّ الناتج المحلّي الإجمالي في أي بلد بنموّ الاستثمار وعائدات قطاع تكنولوجيا المعلومات، ولكن رغم أنّ المنطقة العربيّة تعدّ خصبة لتطوير هذا القطاع، نظراً إلى الحاجات غير المشبعة فيه ليس هناك واقع اقتصادي يجيز حصول مطوّري البرامج الإلكترونيّة (Softwares) على قروض مصرفيّة: الأموال موجودة ولكن الاستثمار في المستقبل غائب!
وإذا كان استخدام الهواتف الخلويّة قد نما بنسبة 310 في المئة خلال السنوات الست الماضية، فإنّ المستقبل لا يزال يخبّئ الكثير: وظائف غير موجودة لحلّ مشاكل غير مرصودة بعد وابتكارات لا تزال خيالاً!
وبحسب رئيس إدارة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الـ«إسكوا»، يوسف نصير، «إذا أردنا أن تكون مجتمعاتنا مجتمعات منتجة وليس فقط مستهلكة للتكنولوجيا فلا بد من العمل على بناء هذا القطاع على أسس متينة تؤكد استدامته».
ولكن المسائل في هذا السياق تأخذ بعداً معقّداً نظراً إلى طبيعة اقتصادات المنطقة العربيّة وغياب توجّهات تحديد الأولويّات الاستثماريّة المستدامة لدى الحكومات، إضافة إلى سعي الرساميل للاستثمار في القطاعات التقليديّة وعدم الانجذاب إلى قطاع يعتريه الكثير من الصعوبات المعرفيّة والمخاوف من ضعف العائد.
والاستثمارات المؤسِّسة، رغم خطورتها، ضروريّة. وهي علمياً تؤمّن العوائد الأكبر على رأس المال (أي قبل دخول المنافسة)، ولكن تحفيز تلك الاستثمارات يتطلّب جهوداً مكثّفة من القطاعين العام والخاص، و«الحلّ الحقيقي يكمن في أيدي القطاع المصرفي»، حسبما ترى الأمم المتّحدة في عرض قدّمه المهندس أيمن الشربيني. فبحسب كلمة الاقتصادي في المجلّة الفرنسيّة «Le Monde Diplomatique» (النسخة العربيّة)، سمير عيطة، يعدّ قطاع الاتصالات العربيّة من أكثر القطاعات ديناميّة في العالم. ففيما بلغت نسبة نموّ شركات هذا القطاع في أميركا وأوروبا في العام الماضي 1.4 في المئة و2 في المئة على التوالي، ارتفعت هذه النسبة إلى 17.5 في المئة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. ما يعني «أنّ القطاع في المنطقة العربيّة لا يزال يختزن مقدّرات هائلة». هذه المقدرات لا يمكن حصرها بالشق الاستهلاكي فقط. فنسبة نموّ مستخدمي الهواتف الخلويّة في المنطقة بلغت 20 في المئة بين عامي 2007 و2008، فيما تنخفض تلك النسبة إلى 6.1 في المئة في الولايات المتّحدة وإلى 5.5 في المئة في أوروبا. كما أنّ نسبة مستخدمي الهواتف الخلويّة لا تتعدّى الـ45 في المئة في الشرق الأوسط وأفريقيا، بينما يتجاوز هذا الرقم 87 في المئة في الولايات المتّحدة، وفي أوروبا يصبح 106 في المئة.
وبالتالي، يجب مقابلة الطلب النامي باستثمارات موازية. وهنا يمكن الإشارة إلى أنّه على الرغم من الأزمة الاقتصاديّة العالميّة لا يزال قطاع الاتصالات في البلدان الناشئة ينمو بوتيرة سريعة ليُظهر أنّ التخمة التي تعاني منها البلدان الصناعيّة في هذا القطاع، ليست موجودة (بعد) في المنطقة العربيّة.
ولكن حتّى الآن لا تتمّ مقابلة مقتضيات العجز بالاستثمارات المناسبة، ولذا يجب استغلال الميزة التفاضليّة التي تتمتّع بها البلدان النامية من خلال الطروحات والحلول، وهذا ما تريده الـ«إسكوا» في اللقاء الذي ينتهي اليوم والمتميّز بهامش واسع من التفاؤل.


استقطاب الأموال

تطرّق وزير المال اللبناني السابق، دميانوس قطّار، في كلمته في افتتاح اجتماع الخبراء، إلى كيفيّة استقطاب رؤوس الأموال إلى قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وقال: «لا يمكننا الاعتماد على المبادرات الحكومية فقط بعد الآن. والوطن العربي يعاني مشاكل عديدة، وإذا كانت الأرقام تقول إنّ عدد مستخدمي الإنترنت فيه قد بلغ 40 مليوناً في عام 2008، مقارنة بـ12 مليوناً في عام 2004، فما الذي يتصفّحه هؤلاء على الشبكة؟». وتطرق قطار أيضاً إلى دور الحكومات في تعزيز القطاع وخلق البيئة التمكينية الداعمة له.