strong>للمرّة الأولى قد تكون النتيجة المرتقبة لاجتماع منظّمة الدول المصدّرة للنفط «غامضة» إلى هذا الحدّ. فأعضاء «أوبك» الذين سيلتقون في فيينا غداً لم يحسموا بعد ما إذا كانوا سيقرّون خفضاً للإنتاج أو الإبقاء على المستوى الموجود، ولكنهم يحذّرون من استمرار انخفاض الأسعار. تحذير ترى فيه وكالة الطاقة الدوليّة نيات «تصعيديّة» وتطلق تحذيراً مواجهاً له
اتضح منذ نهاية العام الماضي أنّ الخفض التاريخي للإنتاج الذي أقرّته منظّمة «أوبك»، وبلغ 4.2 ملايين برميل يومياً، لم يؤدِّ إلى تغييرات جذريّة في الأسواق. واستمرّ سعر برميل الوقود الأحفوري ينخفض لتفوق نسبة التراجع مقارنة بالمستوى القياسي المسجّل في الصيف الماضي الـ70 في المئة. وإذا كانت حجّة المنظّمة تكمن في أنّ المعروض في السوق يفوق الطلب بهوامش واسعة، فإنّ الخفوضات المتتالية لم تؤدّ إلى إلغاء الفائض، وبالتالي التأثير على الكميّات الأساسيّة التي تطلبها بلدان العالم يومياً. ولكن أيّ حديث عن خفض جديد كان يشوبه الالتباس لسبب رئيسي، هو أنّ المسّ بالحصص الإنتاجيّة سيؤثّر جدياً على عائدات البترودلار لبعض البلدان في مجموعة الـ12 التي تتخذ من فيينا مقراً لها.
ومن هذا المنطلق، سيطر الغموض على تحليل نتيجة اجتماع «أوبك» في نهاية الأسبوع الجاري، في الوقت الذي لا يزال فيه سعر البرميل يتراوح بين 40 دولاراً و45 دولاراً، فيما تريد بلدان المنظّمة سعراً يزيد على 70 دولاراً، أي أقلّ من نصف السعر القياسي المسجّل في 12 تمّوز الماضي.
وينبعث قلق المنظّمة التي تنتج 40 في المئة من نفط العالم من إمكان استمرار موجة الركود العالمي بالحدّة نفسها، وبالتالي بقاء الأسعار عند مستويات منخفضة أو حتّى تراجعها أكثر، وهي قالت أمس: «مع استمرار تدهور الأوضاع الاقتصاديّة وتآكل الطلب، إضافة إلى ضعف الطلب الموسمي (الشتاء)، من المرجّح تجدّد الضغوط على الأسعار».
وبالفعل خفضت «أوبك» توقّعاتها للطلب على الوقود الأحفوري خلال العام الجاري. وبعدما كانت قد توقّعت في شباط الماضي تقلّص الطلب على النفط بواقع 0.58 مليون برميل يومياً، قالت إنّها تتوقّع أن يبلغ حجم ذلك الانخفاض 1.01 مليون برميل يومياً، أي ما يمثّل 1.18 في المئة مقارنة بالطلب المسجّل في العام الماضي.
ولكن حتّى في ظلّ الأجواء الغامضة تبقى «جميع الاحتمالات مفتوحة» على حدّ تعبير وزير النفط الكويتي أحمد العبد الله، الذي نقلت وكالة الأنباء الكويتيّة عنه قوله إنّ «قرار أوبك يُتَّخَذ جماعياً لا فردياً». مشيراً إلى أنّه بناءً على المناقشات سيُتَّخَذ القرار «إما بالبقاء على الكوتا (الحصص) الحاليّة وإما أن يتبيّن أنّ هناك زيادة في العرض تتطلب المزيد من الخفض في الإنتاج».
ورغم أنّه شدّد على ضرورة أن تأخذ المنظّمة «الركود الاقتصادي العالمي» في الاعتبار لأنّنا «لا نريد أن نساعد» على زيادة حدّة موجة الركود، غير أنّه أعرب عن دعمه لـ«الأسعار التي تحقق متطلبات موازنات الدول المصدرة»، وهذه المسألة هي تحديداً ما تقلق البلدان الصناعيّة المستهلكة.
وفيما شهدت الأسواق التي تترقّب الاجتماع ارتفاعاً في الأسعار، حذرت وكالة الطاقة الدوليّة، في تقرير نشرته أمس، «أوبك» من تقليص الإمدادات مجدّداً، مشدّدةً على أنّ إقرار خفض جديد في اجتماع الغد سيؤدّي إلى تسارع وتيرة الأزمة الاقتصاديّة العالميّة.
ونقلت وكالة «فرانس برس» عن كبير المحلّلين في الوكالة، دايفيد فايف، قوله إنّ «خفضاً جديداً قد يمثّل مخاطر، لأنّه قد يكون أكثر من اللازم» بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي في ظلّ «التطوّرات الاقتصاديّة الكارثيّة التي شهدتها الأشهر الماضية». وأضاف أنّ الخفوضات التي أقرّت حتّى الآن من المفترض أن تؤدّي دورها بالضغط على السوق، مذكّراً بأنّ وكالته توقّعت انخفاض الطلب بنسبة 1.5 في المئة يومياً في عام 2009، «وهو أكبر انخفاض سنوي منذ سبعينيّات» القرن الماضي.
ومن الخفض الإجمالي الذي تبلغ قيمته 4.2 ملايين برميل، قلّصت «أوبك» إمدادها للسوق بواقع 3.3 ملايين برميل يومياً بين أيلول وشباط الماضيين، ومن المفترض أن يشهد نيسان المقبل استكمال تطبيق الخفض بأكمله.
ورغم معاناة المستهلكين، رأت الوكالة التي تقدّم المشورة الطاقويّة لـ30 بلداً صناعياً، أنّ تراجع الطلب سيؤدّي إلى تقلّص الفاتورة النفطيّة للبلدان المستوردة بواقع 1.2 تريليون دولار في المدى القصير، ما قدّ يوفّر «للاقتصاد العالمي الهش مساحة للتنفّس يحتاج إليها كثيراً».
وعن توقّعاتها لتراجع الطلب، خفضت الوكالة الطلب الأميركي المرتقب بواقع 140 ألف برميل يومياً، كذلك خفضت توقّعاتها في شأن الطلب الروسي بواقع 130 ألف برميل يومياً حيث «يتأذّى» الاقتصاد الروسي من الأزمة الاقتصاديّة العالميّة.
وحتّى في الصين حيث يتوقّع أن ينمو الطلب، تبقى نسبة النموّ المفترضة، والمحدّدة بـ6.7 في المئة، تساوي نصف النسبة المتوقّعة سابقاً، والأكثر انخفاضاً منذ 20 عاماً.
(الأخبار)


مسائل أساسيّة

تشدّد «أوبك» على أنّ الأسعار «يجب أن تبقى عند مستويات (مرتفعة) لدعم استثمارات الطاقة في جميع مراحل سلسلة الإنتاج، للمساعدة على الحفاظ على نموّ اقتصادي طويل المدى». وتقول إنّ «هذه هي المسائل الأساسيّة التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار في مؤتمر أوبك في 15 آذار». وكان الرئيس الدوري للمنظّمة، الأنغولي خوسيه ماريا بوتليو دو فاسكونسيلوس، قد افترض أنّ الكارتيل النفطي سيقرّ في النهاية خفضاً جديداً للمرّة الرابعة منذ أيلول الماضي. وقال: «إذا برزت الحاجة فسنقرّر مجدّداً خفض الإنتاج».