في نهاية اجتماعاتها الممهّدة لقمّة مجموعة العشرين في لندن، شدّدت دول الاتحاد الأوروبي الـ27 على موقفها الرافض لاعتماد خطط تحفيز أكبر مثلما تريد واشنطن. فهي تعدّ نفسها متصالحة مع حاجات اقتصاداتها، وتركّز أكثر على ضرورة زيادة الرقابة، وتحديداً من خلال صندوق النقد الدولي الذي رفعت قروضها له بأكثر من 100 مليار دولار
بروكسل ـــ بسّام الطيارة
«أوروبا تُظهر أنّها عند مستوى التحدّي». بهذه العبارة شدّد رئيس المفوّضيّة الأوروبيّة خوسيه مانويل باروسو على صوابيّة الجهود التي تبذلها بلدان القارة العجوز في مواجهة الركود الذي يلحق باقتصاداتها، وهو ردّ مباشر على دعوات المراكز الأخرى للعولمة القائمة التي تنتظر «العلاج» خلال المرحلة المقبلة، إلى اعتماد خطط تحفيز أكثر جرأة وأكبر حجماً.
فقمة الربيع التقليدية التي عقدها زعماء أوروبا في بروكسل على مدى يومين، لبحث «شتى أمور بني أوروبا»، لم تكن كلاسيكيّة: الأزمة المالية العالمية مرت من هنا واللقاء هو تحضير لقمة مجموعة العشرين في الثاني من نيسان المقبل في لندن. بحزم، رفض القادة الأوروبيّون دعوات لبذل جهود إضافية لإنعاش الاقتصاد العالمي، وهي صدرت عن «قطبين أساسيين» في النظام المالي العالمي: صندوق النقد الدولي والولايات المتحدة.
ويبدو أنّ وحدة الأوروبيّين تكرّست أكثر حول هذه المسألة، ما يشير إلى أنّ «المخاطر» موجودة بالفعل في ما يتعلّق بالإجراءات الموحّدة على الصعيد الكوني لمواجهة موجة الركود، حسبما حذّرت المستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل أوّل من أمس.
وقد ساد انطباع عام عن أن «أوروبا غارقة في مساومات» تبدو فيها كل دولة حريصة على أموالها وتنظر للآخرين على أنهم يبذلون الجهد الأكبر لإنقاذ العالم من أخطر أزمة اقتصادية منذ ثلاثينيّات القرن الماضي. كذلك بدت المبالغ التي تناولتها أروقة المجلس الرئاسي متواضعة بالمقارنة مع مئات المليارات من اليورو التي تنفق في أماكن أخرى لدعم المصارف أو النشاط الاقتصادي في العالم.
لكن اللافت في العاصمة البلجيكيّة كان إصرار الأوروبيّين على ضرورة مضاعفة موارد الإقراض التي يملكها صندوق النقد الدولي لتصبح 500 مليار دولار، وأعربت البلدان عن استعدادها لتوفير ثلث المبلغ الإضافي المطلوب، أي أكثر من 100 مليار دولار. كذلك اتُّفق على أنّ القرار الأخير في شأن إصلاح هيكليّة الصندوق ومستويات النفوذ فيه سيُتّخذ في قمّة لندن.
وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وميركل قد مهّدا للاجتماع الأوروبي برسالة وجهاها إلى الرئيس الأميركي، باراك أوباما، يشددان فيها على أن «المطلوب هو بناء هندسة جديدة للنظام المالي العالمي» مطالبين بأن يكون للمؤسسات المالية العالمية دور ومسؤولية في تنظيم تدفّق الرساميل في النظام الجديد.
وهو ما أكّده رئيس الوزراء التشيكي، ماريك توبولانيك، الذي ترأس بلاده الرئاسة الدوريّة للاتحاد الأوروبي، حين قال إنّ «قمّة مجموعة العشرين هي عن كيفيّة توفير رقابة أكبر على الأسواق الماليّة العالميّة، وهناك حاجة إلى ذلك». ونوّه توبولانيك بقيام الاتحاد الأوروبي بدور جذري في عمليّة تعويم صندوق النقد الدولي.
أمّا «في الوقت الحالي فإنّ الاتحاد الأوروبي يكتفي بتمويل مشاريع محدودة جداً في قطاعات الطاقة، وهي بحدود 6.8 مليارات دولار ستخصّص لمشاريع البنى التحتية، وحوالى 5.2 مليارات دولار في قطاع الإنترنت. ووصف توبولانيك هذه التسوية بأنها «ترضي الجميع ويمكنهم المشاركة فيها».
وقد عارض عدد من الزعماء علناً أيّ «توسيع في توزيع المساعدات». وفي هذا الصدد، قال رئيس وزراء اللوكسمبورغ جان كلود يونكر: «أعارض أن نتبع نحن الأوروبيين رغبة الولايات المتحدة في برامج إنعاش أكبر». من جهتها، رأت ميركل أن ما أُقرّ «كافٍ» طالبةً إعطاء البرامج مزيداً من الوقت لتعطي مفعولها»، دون أن يمنع هذا من طمأنة الشق الشرقي من أوروبا، وهي الدول التي التحقت أخيراً بالاتحاد، من مضاعفة قيمة القروض العاجلة.
وفي هذا السياق، اتفق الزعماء على مضاعفة المبلغ المخصّص لإنقاذ البلدان الأوروبيّة التي تعاني جرّاء الأزمة العالميّة، إلى 68 مليار دولار.
وعموماً، من المنتظر أن تشهد قمّة لندن جدلاً بين أوروبا والولايات المتحدة التي تريد «جهداً أكبر» بينما يشدد الاتحاد الأوروبي الذي أطلق خططاً بـ٤٠٠ مليار يورو على إصلاح النظام المالي. ويرى الخبراء أن مواجهة تقلّص الناتج الإجمالي الكوني في عام 2009 بنسبة تتراوح بين 0.5 في المئة و1 في المئة وفقاً لتوقّعات صندوق النقد الدولي، تتطلب جهوداً أكبر من الجانب الأوروبي.
على صعيد آخر، كان اهتمام بعض الدول مثل لوكسبورغ والنمسا وبلجيكا وهي الدول التي تطبق السرية المصرفية، هو في الحصول على تأكيد عدم إدراجها على لوائح سوداء للجنات الضريبية من الممكن وضعها خلال قمة لندن.


لا للحمائيّة

تسيطر هواجس «الحمائية» على بلدان الاتحاد الأوروبي في ظلّ موجة الركود وتراجع الطلب وإلغاء الوظائف. وكانت تلك الهواجس موجودة في قمّة بروكسل خلال اليومين الماضيين. فخلال الفترة الأخيرة وافق الاتحاد الأوروبي على خطّة فرنسيّة لمساعدة قطاع صناعة السيّارات في البلاد الذي يوظّف أكثر من 10 في المئة من العمّال الفرنسيّين. وأثارت تلك الخطّة تحفّظات في شأن أولويّات المنافسة. وفي بيانهم الختامي تعهّد الأوروبيون الالتزام بالسوق المفتوحة «وتجنّب أيّ من نوع من الإجراءات الحمائيّة» وإحياء محادثات التجارة الدوليّة.