النظام المالي العالمي الجديد» الذي يدور الحديث حوله منذ عام بسبب الأزمة الاقتصاديّة العالميّة والنفوذ المتنامي للبلدان الناشئة، يفترض تغييرات جوهريّة في عمل المؤسّسات الدوليّة (والسياسيّة بينها) مثل صندوق النقد. وإحدى الأفكار التي تُطرح لصياغة مبادئ هذا النظام هي «العملة الكونيّة» التي تحدّث عنها جون ماينارد كينر في عام 1943
حسن شقراني
أعرب رئيس الوزراء الصيني وين جياباو أخيراً عن «قلقه» من الإجراءات النقديّة والماليّة الأميركيّة التي قد تؤدّي إلى خفض في سعر صرف الدولار وتعريض مصالح بكين للخطر. ما هي تلك المصالح؟ إنّها تمتدّ من المنافسة التجاريّة إلى التوظيفات الصينيّة في السندات الأميركيّة التي يُتوقّع أن تنمو نموّاً ملموساً في عام 2009 بسبب حاجة الولايات المتّحدة إلى تمويل خطّة التحفيز الاقتصادي التي تبلغ قيمتها 787 مليار دولار وتنقسم بين 500 مليار دولار إنفاقاً استثمارياً و287 مليار دولار عبارة عن خفوضات ضريبيّة.
واللافت هو أنّ حصّة الصين من الديون الإجماليّة الأميركيّة تقارب الـ10 في المئة. فبكّين توظّف تريليون دولار في سندات الخزينة الأميركيّة (التي تصدرها الحكومة لتمويل الإنفاق). وإذا أدّت الخطط الأميركيّة على الصعيدين المالي والاقتصادي إلى عجز دراماتيكي لا يمكن السيطرة عليه، فإنّ سعر صرف العملة الخضراء سينخفض عند مستويات ترى «السلطة الحمراء» أنّها خطيرة.
وهنا تبرز أهميّة ثبات سعر الدولار بالنسبة لثالث أكبر اقتصاد عالمياً، وتبرز هواجس بكين من التحوّلات التي يمكن أن تطرأ على محفظتها السياديّة إذا حصل ما تخشاه. ومن هذا المنطلق دعا حاكم المصرف المركزي الصيني، زو شياشوان، العالم إلى إصدار عملة احتياط كونيّة «ما فوق سياديّة» أي أنّها ليست مرتبطة مباشرة بأي بلد وتحديداً الولايات المتّحدة.
وهذا الطلب «الطموح» يندرج في إطار المقترحات والدعوات «العالية السقف» التي ستخضع للمساومة بين البلدان النامية وتلك الصناعيّة في قمّة مجموعة الدول العشرين الكبرى (G20) في 2 نيسان المقبل.
ووفقاً لما نقلته وكالة «شينخوا» عن زو، فإنّ الهدف من طرح بكين هو «خلق عملة احتياطية غير مرتبطة بأية دولة وقادرة على البقاء ثابتة على المدى الطويل، وبالتالي إزالة الخلل الموروث الذي تسبّب به استخدام تسليفات تعتمد على عملات وطنيّة». ويمكن أن تكون تلك العملة «حقوق السحب الخاصّة» (SDR) التي يملكها صندوق النقد الدولي وتستخدمها البلدان المنتمية إليه لاستبدال عملاتها بعملات صعبة.
وفكرة «العملة الكونيّة» كان للمناسبة قد طرحها الاقتصادي جون ماينرد كينز في آذار من عام 1943، في خضم الصراع العالمي (الاقتصادي والمسلّح) وفي مرحلة انتقاليّة أمّنت الأرضيّة لإبرام اتفاقات «Bretton Woods» والاعتماد على الذهب معياراً كونياً لتحديد قيمة العملات.
ومثلما كانت أربعينيّات القرن الماضي حاسمة في مسألة توزّع النفوذ الكوني، فإنّ هذه المرحلة من العولمة، التي أدّى شقّها المالي إلى نشوء أخطر أزمة اقتصاديّة للرأسماليّة منذ الكساد العظيم، تتطلّب تغييرات جوهريّة منها الإصلاحات المطلوبة للنظام. ولكن اللافت في هذه المرحلة هو أنّ التحالفات العالميّة أصبحت تحدّد بمعايير أخرى. فهناك البلدان النامية ومحورها مجموعة «BRIC» (الصين، روسيا، الهند، البرازيل) التي تريد نفوذاً أكبر، وهناك «الجيش القديم» الذي سيطر بعد الحرب العالميّة الثانية.
واللافت في هذا السياق، هو أنّ الطلب الصيني بإنشاء عملة عالميّة حياديّة يأتي غداة طلب مماثل أطلقته موسكو، ويُعدّ محورياً في سلّة طروحات التي ستزخر بها محفظة الرئيس ديميتري ميدفيديف لدى لقائه المنافسين (الحلفاء والأعداء!) في لندن الشهر المقبل.
ويواجه هذا «الطرح النامي» تحدّيات كثيرة، بينها إمكان مواجهة رفض ثابت من بعض البلدان التي راكمت خلال السنوات الأخيرة احتياطات نقديّة هائلة من الدولار مثلاً. فأيّ لجوء إلى عملة كونيّة بديلة سيؤدّي تلقائياً إلى إعادة تقويم قد تنجم عنه خسائر ملموسة لدى البعض.
ولكن بكّين تشدّد على أنّ العملة الكونيّة ستؤمّن للبلدان المختلفة إدارة أكثر فعاليّة لاقتصاداتها، لأنّ العملة الجديدة لن تكون مرتبطة بعجز أمّة ما، فكيف بالأحرى إذا كانت هذه الأمّة صاحبة أكبر اقتصاد عالمياً وتعاني عجزاً في موازنتها يبلغ 1.75 تريليون دولار؟ إنّها الولايات المتّحدة بالطبع، و«الخوف» من التطوّرات المتوسّطة والطويلة المدى في اقتصادها وماليّتها العامّة يدفع بكين وموسكو إلى طلب عملة عالميّة تمحو اللون الأخطر المسيطر على معظم الاحتياط العالمي.
هذه العملة ستكون جزءاً من إعادة هيكلة، تأتي إعادة توزيعات النفوذ في صندوق النقد على رأسها. ولكن الحسم ينتظر قمّة بين الرئيس الأميركيّ باراك أوباما ونظيره الصيني هوي جينتاو، تعقد على هامش قمّة «G20» وربّما تهمّشها وأوروبا واليايان في الطريق!


مخاطر تضخميّة

في كلمته التي نشرت على الموقع الإلكتروني للمصرف المركزي الصيني، يقول زو شياشوان إنّ على المجتمع الدولي دراسة إمكان رفع حجم «حقوق السحب الخاصّة» التي يملكها صندوق النقد الدولي. وهو طلب كانت أوروبا قد أعربت عن حماستها له في الأسبوع الماضي عندما طلب الاتحاد الأوروبي مضاعفة موارد الصندوق إلى 500 مليار دولار، وأعرب عن استعداده لتأمين أكثر من ثلث المبلغ المطلوب. ولكن الولايات المتّحدة ترى في تلك الإجراءات مخاطر ضغوط تضخميّة قد تؤذي الدور المحوري للدولار. وقيمة الحقوق مبنيّة على الدولار والين واليورو والجنيه الإسترليني.