Strong>في تصريح هو الأخطر من نوعه في ما يخصّ الخلافات الأوروبيّة ــ الأميركيّة حول أولويّات مواجهة الأزمة الاقتصاديّة العالميّة، قال رئيس الوزراء التشيكي، الرئيس الدوري للاتحاد الأوروبي، كيريك توبولانيك، إنّ خطط الإنعاش المالي والاقتصادي الأميركيّة ليست سوى «طريق إلى الجحيم»، ليبدو أنّ النقاشات التي ستشهدها قمّة «G20» ستتحوّل جحيماً بالفعل!تبيّن بعد اجتماع وزراء مال ومحافظي المصارف المركزيّة في بلدان مجموعة الدول العشرين الكبرى (G20)، منذ نحو أسبوعين، أنّ الجميع يريد إلى حدّ ما تأجيل الخلافات المتعلّقة بالمقاربات المقدّمة على ضفّتي الأطلسي لمواجهة الأزمة الاقتصاديّة العالميّة التي تعدّ الأسوأ منذ الكساد العظيم في القرن الماضي.
وقد اتّخذ النقاش منذ وقتها طابعاً هادئاً نسبياً وطغت عليه قمّة «توحيد الجهود» الأوروبيّة التي أقرّت ضرورة مضاعفة موارد صندوق النقد الدولي إلى 500 مليار دولار، وتعهّدت بلدان الاتحاد الأوروبي بتأمين ثلث المبلغ المطلوب. ولكن الخلافات لم تنته. وظهرت أمس بشكلها الأكثر حدّة حيث فجّر رئيس الوزراء التشيكي، ميريك توبولانيك، قنبلة عندما قال إنّ خطّتي الرئيس الأميركي باراك أوباما الاقتصاديّة والماليّة ستؤدّيان إلى «خفض مستوى السيولة في الأسواق الماليّة العالميّة، وجميع تلك الإجراءات والتوليفات هي طريق إلى الجحيم».
خطورة كلام توبولانيك تنبع من كونه يتسلّم حالياً الرئاسة الدوريّة للاتحاد الأوروبي (تمتدّ حتّى 8 تمّوز المقبل)، ما دفع السياسيّين الأوروبيّين إلى الطلب منه خفض مستوى حدّة كلامه الموجّه إلى الولايات المتّحدة، والبعض بينهم أكّد الروابط الدبلوماسيّة الثابتة لبلاده مع واشنطن!
وانتقد الزعيم التشيكي العجز المالي الهائل الذي ستسجّله الموازنة التي اقترحتها إدارة أوباما، كذلك هاجم الإجراءات الحمائيّة التي تتضمّنها خطّة التحفيز الاقتصادي الأميركي التي تبلغ قيمتها 787 مليار دولار والموجودة في بند عنوانه «اشتر السلع الأميركيّة (Buy America)، وقال إنّ «الولايات المتّحدة لم تتبع الطريق السليم».
واللافت هو أنّ هذه التصريحات تأتي غداة انهيار حكومة توبولانيك بعد تصويت سلبي على الثقة بها في البرلمان التشيكي، وقبل زيارة مرتقبة لأوباما إلى براغ. ولكن الأخطر هو أنّها أُطلقت من مجلس النوّاب الأوروبيّ في ستراسبورغ الفرنسيّة قبل أسبوع من قمّة زعماء «G20» في بريطانيا والمتوقّع أن تحدّد السبل الأمثل التي يرتئيها روّاد العالم لإنقاذ الاقتصاد الكوني من الركود الأسوأ منذ الحرب العالميّة الثانية.
رئيس المفوّضيّة الأوروبيّة، خوسيه مانويل باروزو، حاول استدراك تداعيات الكلام الصادر عن «الرئاسة الأوروبيّة» وقال وفقاً لما نقلته وكالة «أسوشييتد برس»، «أؤمن حقاً بأنّ هذا الحوار ليس مجدياً، أي محاولة الافتراض بأنّ الأميركيّين والأوروبيّين يطرحون مقاربات مختلفة جداً لمواجهة الأزمة». وأضاف: «على العكس، ما نشهده هو تقارب متزايد».
قد يكون هذا الكلام تخفيفياً، إلّا أنّ الخلافات واضحة بين عواصم القارّة العجوز وواشنطن، وحتّى بين البلدان الأوروبيّة نفسها، ففيما تحذّر المستشارة الأوروبيّة أنجيلا ميركل من سباق إنفاق حكومي لتحفيز الاقتصادات الوطنيّة، أعرب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، أوّل من أمس، عن استعداده لتبنّي خطّة تحفيز جديدة من أجل دعم الاقتصاد قد تلقى ترحيباً في واشنطن.
ومن المعروف أنّ الأوروبيّين يؤكّدون أنّ الأولويّة في هذه المرحلة هي لصياغة نظم رقابة جديدة على المصارف والمؤسّسات الماليّة عموماً، فيما تتحدّث الإدارة الأميركيّة عن ضرورة إيلاء الأهميّة القصوى للإنفاق الحكومي الذي يعتبر حقنة اقتصاديّة إيجابيّة في أوقات الركود.
ولكن الإنفاق الأميركي يراه البعض، مثل الصين والأوروبيّين، زائداً وسيؤدّي إلى انخفاض السيولة في الأسواق وإلى انخفاض سعر الدولار، وبالتالي تمتّع الولايات المتّحدة بأفضليّات تجارية وخصوصاً في ظلّ انتهاج مبدأ حمائيّ.
ولكن رئيس الوزراء البريطاني، غوردن براون، يرى أنّ قمّة «G20» ستشهد توافقاً بين الزعماء العشرين الذي سيجتمعون في لندن بضيافته. ويقول في مقابلة أجرتها معه صحيفة «Wall Street Journal»، «لا أحد يقترح أن نذهب إلى القمّة ونضع على الطاولة» خططاً متعلّقة بالموازنات الوطنيّة والإنفاق الحكومي، «ما نقترحه هو أن نبحث جميعنا ما فعلناه حتّى الآن وما هو تأثير التسهيل الكمّي والبحث بما هي الخطوات المقبلة».
وقد سعت المصارف المركزيّة في البلدان الصناعيّة إلى ضخّ كميّات كبيرة من السيولة في النظام المصرفي من أجل القضاء على شحّ السيولة وإنعاش الاقتصاد وهي عمليّة تعرف بـ«التسهيل الكمّي» ويُلجأ إليها بعد فشل أداة خفض الفوائد.
وربّما يتوصّل الزعماء في لندن، الأسبوع المقبل، إلى «توافق» يضمن إنتاج آليّات إنقاذ جديدة ومبتكرة، إلّا أنّ العقبة الأساسيّة ستكون «جحيم» الخلافات الأوروبيّة الأميركيّة!
(الأخبار)


«خاب أملي»

انتقد رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروزو قادة الاتحاد الأوروبي على قرارهم إلغاء قمّة كبرى حول العمل في مواجهة الأزمة، بحجة أنّها ستنشر آمالاً خاطئة في الرأي العام. ونقلت وكالة «رويترز» عن باروزو قوله في ستراسبورغ، «بصراحة لقد خاب أملي من هذا القرار. كنت أفضّل أن تخصّص الدول الـ27 الأعضاء (في الاتحاد الأوروبي) الوقت اللازم للتحدث في ما يشكل في النهاية المشكلة الأساسية لغالبيّة المواطنين الأوروبيّين». فوجود الأدوات على المستوى الوطني لا ينبغي أن يمنع «المناقشة على المستوى الأوروبي».