أقرّت الحكومة الكويتية «الانتقاليّة» أمس خطّة الإنقاذ الاقتصادي التي تبلغ قيمتها 5.15 مليارات دولار لمساعدة اقتصاد البلد النفطي على «مواجهة مخاطر الركود» وفقاً لحاكم المصرف المركزي، سالم عبد العزيز الصباح، الذي قدّم الخطّة في شباط الماضي وأقرّها الوزراء إلّا أنّها بقيت في متاهة السياسة
نيويورك ـــ نزار عبود
ليس هناك من دولة خليجية أفضل موقعاً ربّما من الكويت لتحقيق ازدهار اقتصادي مستدام. مع ذلك لم تكن بمأمن من الأزمة الاقتصادية العالمية التي خلّفت خسائر كبيرة على المستويين الداخلي والخارجي. كما أنها خاضعة لنزاعات سياسية أفقدتها توازنها، وجعلت الأمير يحل البرلمان للمرة الثالثة خلال بضعة أعوام.
فالبرلمان رفض الخطّة الاقتصاديّة التي قُدّمت في شباط الماضي، وأقرّتها الحكومة مباشرة. ويبدو أنّ الكتل النيابيّة تصرّفت انطلاقاً من قناعات سياسيّة أو بناءً على قراءاتها الاقتصاديّة الفنيّة. ولكن الحكومة «الانتقاليّة» تخطّت رفض البرلمان المحلول أمس، وأقرّت الخطّة التي سيحوّلها الأمير إلى قانون بحكم سلطته.
وستتيح الخطة للشركات الاقتراض من المصارف وزيادة رساميلها إنّما بشروط محكمة، بما فيها ضرورة خفض النفقات وإعادة هيكلة الأعمال وحتّى الاندماج. كما تضمن الدولة بموجبها 50 في المئة من القروض المستقبليّة للشركات.
ومن شأن الخطّة أن تكلف الخزينة 5.15 مليارات دولار، بينما يخشى النواب أن تكون التبعة أعلى من ذلك بكثير، ويطالبون بضوابط أشد على دعم شركات الاستثمار التي يخضع أكثر من نصفها لرقابة البنك المركزي، بينما النصف الآخر متفلّت من الرقابة. ولقد أدت الفوضى المالية إلى عجز العديد من شركات الاستثمار عن الوفاء بالتزامات بلغت قيمتها 18 مليار دولار. منها 8 مليارات عائدة إلى مصارف أجنبية.
وقد عصفت الأزمة الماليّة العالميّة بالبلد الصغير بطريقة مفاجئة وصاعقة، وذلك بعد سنوات من الرخاء. فإلى جانب الانتعاش السريع الذي عرفه قطاع النفط، كانت الكويت المعبر الرئيسي للواردات المتدفقة على العراق بعد غزو 2003. واستفادت شركات الإنشاءات والهاتف والمقاولات والإمداد والتموين والصيانة والنقل والخدمات إلى أبعد الحدود من الطلب العراقي الكبير، سواء للسوق الداخلية أو للقوات الأجنبية. وعملت الشركات الكويتية جنباً إلى جنب في السوق العراقية الواسعة مع نظيراتها المحلية والأجنبية.
كما مثّلت الكويت حلقة وصل بين إيران والأسواق الأجنبية إلى جانب موانئ الخليج الأخرى، ولا سيما دبي. وبالتالي عرفت ازدهاراً قل نظيره. الأمر الذي جعلها تجمع أكثر من 200 مليار دولار من الفوائض النقدية. وعندما كان الدولار يشهد انخفاضاً متسارعاً لجأت في أوائل عام 2007 إلى فصل ربط عملتها بالعملة الخضراء.
إلّا أنّ سعر الدينار انخفض انخفاضاً متواصلاً مترافقاً مع هبوط أسعار النفط في تشرين الأول الماضي، فضلاً عن هبوط سوق المال المحلية. وفقد نحو 8 في المئة من أعلى قيمة بلغها مقابل الدولار تحت وطأة الخوف من تداعيات الأزمتين السياسية والاقتصادية.
وكانت أولى الهزات الاقتصادية الكويتية قد وقعت الخريف الماضي مع إعلان خسارة بنك الخليج نحو مليار دينار في ديون متعثرة استخدمها مستثمرون في مضاربات أجنبية. جاء ذلك مع انحدار متواصل في بورصة الكويت التي خسرت 57 في المئة من أعلى مستوى بلغته، أي بقيمة تعادل 100 مليار دولار.
وفي أوقات الأزمات، يتوجّه التجار والمواطنون العاديون دائماً إلى الدولة لكونها المتحكم في عائدات البلاد من النفط. غير أن الحكومة التي أقدمت خلال أزمتين ضخمتين على حل المشاكل وشطب الديون، لا تقدّم خدمات مجانية تحت ضغط مجلس النواب. الأزمتان وقعتا في أوائل الثمانينيّات في ما عُرف بـ«سوق المناخ»، عندما خسر الكويتيّون 80 مليار دولار في مضاربات وهمية. والثانية إبان غزو الرئيس الراحل صدام حسين للكويت وتكفّل الحكومة نفقات المواطنين في الخارج وشطب ديونهم للمصارف، بما في ذلك القروض العقارية بعد العودة.
وفي هذه المرحلة تهدف خطّة التحفيز إلى مساعدة الشركات المتعثرة، ولا سيما المصارف وشركات الاستثمار بإتاحة خطوط ائتمان لها. فشركات الاستثمارات وحدها، التي يبلغ عددها 99 شركة، خسرت ما يقارب 32 مليار دولار خلال الفترة الممتدّة بين آب وكانون الثاني الماضيين، أي حوالى ثلث استثماراتها.
وتجدر الإشارة إلى أنّ البلاد التي تعتمد أساساً على عائدات الوقود الأحفوري أقرّت موازنة العام المالي 2009-2010، وأوضح وزير المال مصطفى الشمالي، وفقاً لما نقلته وكالة «كونا»، أنّ العجز فيها سيبلغ 13.8 مليار دولار. وكانت هيئات برمانيّة قدّ شدّدت على خطورة العجز وانخفاض إنفاق الاستثماري. وعلى الرغم من أنّ العجز يتحوّل إجمالاً إلى فائض إلّا ذلك لا ينفي صعوبة المرحلة الاقتصاديّة التي تمرّ بها البلاد التي تنتظرها انتخابات برلمانيّة في غضون شهرين.


إسقاط محتمل

عندما حلّ أمير الكويت البرلمان في وقت سابق من الشهر الجاري، كانت الخطّة الاقتصاديّة لا تزال تتجاذبها وجهات النظر المختلفة المتعلّقة بجدواها وأكلافها، أو حتّى بمخالفتها للقانون الإسلامي. والخطّة الآن لا تزال مرفوضة عند كثير من الممثّلين النيابيّين، ورغم أنّ الأمير سيحوّل مرسوم الحكومة إلى قانون بحكم السلطة التي منحها إيّاه دستور عام 1962، فإنّ البرلمان الذي سينبثق عن الانتخابات بعد شهرين يستطيع إسقاط شرعيّة الخطّة. ويمكن أن تشهد البلاد عوداً على بدء فيما الاقتصاد يترنّح جرّاء الركود العالمي.