strong>بين مقولة «لنعطِ الزعماء فرصة» وبين شعار «لن ندفع من أجل أزمتهم» تعقد قمّة الدول العشرين الكبرى في لندن الخميس المقبل. الطموحات لا تنفكّ تتواضع ولا يبدو أنّ بلدان الـ«80 في المئة من الناتج العالمي» ستبلور صيغة جديدة للنظام المالي العالمي تستبدل «Bretton Woods»، بل سيجري الاكتفاء بدعم صندوق النقد الدولي وطمأنة المستثمرين
ربّما لم تكن الحشود التي نزلت إلى ساحات المدن الأوروبيّة أوّل من أمس، عند طموح المنظّمين ودعاة مواجهة العولمة في ما يتعلّق بزيادة الضغوط على زعماء دول مجموعة العشرين (G20)، إلّا أنّها تطرح ضرورة أنّ تكون قضايا مثل العمالة والمناخ والعدالة الاجتماعيّة في صلب القمّة المرتقبة لهؤلاء الزعماء في لندن الخميس المقبل. ولكن الضغوط موجودة أساساً بسبب الخلافات التي تحكم وجهات النظر المختلفة بشأن كيفيّة مواجهة الأزمة الأخطر التي تمرّ بها الرأسماليّة منذ الكساد العظيم. وتلك الخلافات تؤدّي بطريقة من الطرق إلى عدم التوصّل إلى «تسوية عظيمة جديدة» كتلك التي تمخّضت عن مؤتمر «Bretton Woods» في منتصف القرن الماضي ونتجت منها صيغة النظام المالي والاقتصادي العالمي الذي يمثّل صندوق النقد الدولي أبرز مؤسّساته.
ففيما الرؤيّة الأميركيّة تفيد أنّ خطط تحفيز اقتصاديّ وطنيّة جديدة تعدّ ضرورية لمواجهة الكساد الذي يعصف بالاقتصاد الكوني، ترى أوروبا نفسها أنّها متصالحة مع الواجبات الاقتصاديّة المطلوبة منها حالياً، وترفض زيادة الإنفاق العام لإنعاش الطلب، لذا فإنّ تعهّداً في هذا الإطار غير مرتقب في ختام المحادثات في العاصمة البريطانيّة. ويبرز ذلك من محاور عديدة.
فرغم أنّ المستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل والرئيس الأميركي باراك أوباما «يسيران على الخطّ نفسه»، وفقاً لما نقلته التقارير الإعلاميّة في برلين الأسبوع الماضي، تؤكّد ألمانيا أنّها متمسّكة بالرؤية الأوروبيّة التي تفيد أنّ الأولويّة حالياً هي لفرض الرقابة على الأسواق الماليّة، إضافة إلى مضاعفة موارد صندوق النقد الدولي إلى 500 مليار دولار.
من جهة أخرى، أفادت صحيفة «Dier Speigel» الألمانيّة أولّ من أمس، أنّ مسوّدة بيان القمّة تتضمّن تعهّداً بتحفيز قيمته تريليونا دولار لإنعاش الاقتصاد الكوني. وهذا الرقم مطروح من الجانب البريطاني، وتحديداً رئيس الوزراء غوردن براون الذي يرغب كثيراً في أن تؤدّي القمّة إلى زيادة الجهود العالميّة لمواجهة التباطؤ الاقتصادي. ولكن هذا الرقم قريب جداً من الأرقام التي تعهّدتها البلدان بالفعل حتّى الآن. لذا فإنّه لا يفترض زيادة ملموسة في الإنفاق الحكومي لتحفيز الاقتصادات الوطنيّة.
واللافت هو أنّ وزير الخزانة البريطاني، أليستر دارلينغ شدّد في مقابلة مع شبكة «BBC» أمس، على أنّ هذا المبلغ تتضمّنه مسوّدة كان مطروحة سابقاً وليس منطقياً الآن. كما أشار إلى أنّ الولايات المتّحدة وبريطانيا لن تدفعا نحو تبنّي سياسات محدّدة لزيادة التحفيز الاقتصادي، مؤكّداً فقط أنّ ما يحتاج إليه العالم حالياً هو زيادة الرقابة والتقنين، بحسب توصيات الاتحاد الأوروبي، وفي الوقت نفسه التركيز على كيفيّة زيادة الطلب من خلال الإنفاق العام.
ويتّضح حتى الآن أنّ التوصيات المطروحة تتعلّق بصندوق النقد وزيادة حصص البلدان الناشئة في موارده وبالتالي سلطته، إضافةً إلى التعهّد بالتزام التجارة الحرّة ومواجهة الحمائيّة التي يهدّد شبحها الأميركي تحديداً الجهود لفتح الأسواق العالميّة.
ولكن تواضع التوصيات بسبب الخلافات يقلّل من قيمة شعار «ننتظر من الزعماء بذل كلّ ما في وسعهم» لخلق تحفيز النموّ وفرص العمل، بحسب براون. على أنّ ذلك لا ينفي منطقيّة طرح نائب الرئيس الأميركيّ، جو بايدن، الذي شدّد على ضرورة أن «يُعطى الزعماء فرصة» لبلورة حلول عالميّة للأزمة القائمة، وذلك في معرض ردّه على المتظاهرين الذين ملأوا شوارع أوروبا وتحديداً لندن.
والظروف وفقاً للبلدان الناشئة تمثّل بيئة ملائمة لرفع سقف المطالب في شأن توزيع النفوذ العالمي، وحتّى في شأن مستقبل الاقتصاد العالمي. فالرئيس الروسي، ديميتري ميدفيديف، يحذّر من أنّ هذا المستقبل هو على المحكّ «ويتوقّف على تصميمنا على اتخاذ قرارات جوهريّة من أجل تعديل الهيكليّة الماليّة العالميّة».
ومن هذا المنطلق فإنّ ضعف الطروحات الإجماليّة إلى جانب «المساومة» في شأن طموحات البلدان الناشئة، قد يؤدّيان إلى جعل القمّة منبراً لطمأنة ثقة المستثمرين فقط، وفقاً لما صدر عن إدارة براون في الأسبوع الماضي. على اعتبار أنّ هذه القمّة ليست «القمّة الحاسمة» بل تمثّل محطّة على طريق التعافي الاقتصادي الذي يبدو أنّه سيكون بعيد المنال أكثر من المتوقّع، حيث رجّح رئيس صندوق النقد الدولي، دومينيك شتراوس ـ كان، من أنّ خطط تحفيز اقتصادي قد تبدو حتميّة في العام المقبل، فيما تحذّر الأمم المتّحدة من تحوّل الأزمة الاقتصاديّة إلى «أزمة سياسيّة».
(الأخبار)


نيّات سعوديّة؟

نفى وزير المال السعوديّ، إبراهيم العسّاف، أن تكون بلاده قد عرضت نيّاتها لزيادة دعمها صندوق النقد الدولي، وبالتالي نفوذها فيه، من أجل مواجهة الأزمة الماليّة العالميّة، وذلك خلافاً لحديث محافظ المصرف المركزي، محمّد الياسر عن اقتراح في هذا الشأن. ومن المتوقّع أن تشهد هيكليّة الصندوق تغييرات في قمّة «G20» المرتقبة بتشجيع من معظم البلدان الناشئة. وتحدّثت موسكو، عن ضرورة مد نطاق حقوق السحب الخاصة للصندوق بحيث تشمل الروبل واليوان والذهب، مستبعدة أن تُطرح فكرة العملة العالميّة في القمّة.