strong>«البلدان الناشئة لن تخرج من الأزمة منفردة»، هذا الطرح الاقتصادي أصبح واقعاً ملموساً منذ تبيّن أنّه على الرغم من استطاعتها، في المراحل الأولى من الأزمة الماليّة العالميّة، قطر الاقتصاد العالمي، غير أنّ تلك البلدان تأثّرت من تداعيات الأزمة الاقتصاديّة على البلدان المتقدّمة، لأنّ اعتمادها الأساسي هو على الصادرات
نقلت التقارير الإعلاميّة أمس، أنّ الحكومة الصينّة تنوي إنفاق 19 مليار دولار إضافيّة، كرزمة ثانية من خطّة التحفيز الاقتصادي التي تبلغ قيمتها 585 مليار دولار، التي أعلنت عنها خلال العام الماضي، والتي يفترض أن تنتشل الاقتصاد من أسوأ المراحل التي يمرّ بها منذ أكثر من 7 سنوات، بعدما انخفضت نسبة نموّ الناتج المحلّي الإجمالي إلى 9 في المئة في عام 2008، بعد تسجيل نسب نموّ تتخطّى حاجز الـ10 في المئة بثبات.
ويأتي هذا الإعلان غداة تشديد رئيس حكومة البلد الشيوعي، وين جياباو، على وجوب أن تتّخذ بلاده «إجراءات خارقة» لا تكبحها «الأعراف الاقتصاديّة» لأنّ «النجاح أو الفشل يعتمد على نمط تلك الإجراءات وزخمها». تشديد جاء فيما وصل عدد العمّال النازحين العاطلين من العمل في الصين، إلى 26 مليون شخص، وفقاً لتقديرات وزارة الزراعة.
ولكن حتّى في ظلّ هذا التشديد والسعي لاعتماد تدابير أكثر جذريّة، لن يخرج الاقتصاد الصيني من الأزمة منفرداً، رغم توقّع أنّ ينتعش، شأنه شأن الاقتصادات الآسيويّة الأخرى التي تعتمد بهامش كبير على الصادرات في علميّة توسّعها.
فبحسب رئيس صندوق النقد الدولي، دومينيك شتراوس ـــــ كان، تحتاج البلدان الآسويّة لزيادة الطلب المحلي للحد من الاعتماد التقليدي على الصادرات، وهذا التحوّل لن يحدث في ليلة وضحاها، لذا من «المستحيل أن تنتعش آسيا بينما بقية العالم في حالة سيئة».
ولفت شتراوس ـــــ كان في حديث مع الصحافيّين عبر الإنترنت، نقلت تفاصيله وكالة «أسوشييتد برس»، إلى أنّ الاقتصادات الآسيوية قد تنمو بنسبة تتجاوز 5 في المئة في المتوسط في عام 2010، وبعض الاقتصادات في وضع جيّد يتيح لها الانتعاش حالما تتحسن البيئة الخارحية.
أمّا الصين، صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في آسيا وثالث أكبر اقتصاد عالمياً بعد تقدّمها على ألمانيا، فقد تحقّق خلال العام الجاري، وفقاً لشتراوس ـــــ كان، معدّل النمو الذي تستهدفه الحكومة ويبلغ 8 في المئة، غير أنّ تحقيق هذا الهدف يعدّ تحدياً كبيراً، لذا من المرجّح أن ينمو الاقتصاد وفقاً للنسبة الأساسيّة التي طرحها الصندوق سابقاً والتي تبلغ 6.7 في المئة.
رئيس الصندوق شدّد على أنّ اقتصاد الصين «مهم كثيراً» للاقتصاد العالمي، الذي يتوقّع الصندوق نموّه بنسبة 0.5 في المئة فقط خلال العام الجاري، انخفاضاً من 2.2 في المئة. والمعدّ الجديد يعدّ الأكثر انخفاضاً منذ الحرب العالميّة الثانية، ويعكس بوضوح مدى تأثير الأزمة الماليّة العالميّة على الاقتصادات المتقدّمة والناشئة على حدّ سواء.
فاليابان وأوروبا والولايات المتّحدة، ستتقلّص اقتصاداتها بعدما دخلت أساساً في مراحل ركود منذ العام الماضي. ويبدو أنّ خطط التحفيز الاقتصادي، وبينها تلك الأميركيّة بقيمة 825 مليار دولار ولا تزال تنتظر الإقرار النهائي، ستتطلّب وقتاً لا بأس به من أجل إنعاش الاقتصادات التي تتخبّط في دوّامة الركود الذي أطلقه الخلل في سوق الائتمان العالمي منذ انفجار فقاعة الرهون العقاريّة.
وبالعودة إلى الاقتصاد الصيني، فإنّ لدى بكين خلال العام الجاري، متسعاً لإقرار تحفيز مالي جديد إلى جانب خطتها الحالية، بحسب صندوق النقد. وخلال العام الجاري من المتوقّع أن يبلغ معدّل نموّ البلدان النامية 3.3 في المئة متخطياً بطبيعة الحال المعدّل المسجّل في البلدان المتقدّمة. ولكن البلدان الفقيرة في «مجموعة الناشئين» لن تشهد استمراراً للطفرة التي عاشتها خلال السنوات الماضية.
ومن هذا المنطلق حثّ شتراوس ـــــ كان البلدان المتقدّمة على الاستمرار في تقديم مساعدات التنمية إلى تلك البلدان من دون التأثّر بتداعيات الأزمة الاقتصاديّة. وقال إنّ «هذا خطر حقيقي علينا مواجهته. ويجب ألا تتناسى البلدان الغنيّة، بحكم أنّها في أزمة اقتصاديّة، التزاماتنا تجاه البلدان الناشئة».
وفي شأن نموّ تيّارات «الحمائيّة» حول العالم، وتحديداً ما عكسته خطّة التحفيز الأميركي من خلال شعار «اشتر السلع الأميركيّة»، شدّد شتراوس ـــــ كان على أنّه «ليس هناك إمكان لصياغة حلول محليّة من دون التنبّه لهواجس الغير ومشاكله وطروحاته».
ولكن بعيداً من ذلك، فإنّ مظاهر الفقر والاضطرابات الاجتماعيّة تزداد في العالمين النامي والمتقدّم، وإذا نجحت بالفعل إجراءات التحفيز الحكوميّة حول العالم، فإنّ الاقتصاد الكوني قد ينتعش خلال العام المقبل، لتبدأ دورة جديدة قد تنتهي بأكثر من 26 مليون نازح صيني عاطل من العمل!
(الأخبار)


عجز طفيف

في كانون الأوّل الماضي وحده أنفقت الحكومة المركزيّة والحكومات الفرعيّة في الصين أكثر من 242 مليار دولار من أجل إنعاش الاقتصاد. ما يمثّل ارتفاعاً بنسبة 30.8 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ما أدخل البلاد في عجز طفيف في عام 2008. ولكن العجز يجب ألّا يقف عائقاً في بلاد تحتاج لخلق أكثر من 25 مليون وظيفة في المدن كلّ عام. وإلى جانب خطّة التحفيز الحكوميّة، التي تنشر تفاصيلها «اللجنة الوطنيّة للتنمية والإصلاح»، تؤدّي المصارف دورها المساعد من خلال إحياء عمليّات الإقراض لإنعاش سوق الائتمان.