وفقاً لتقرير أعدّته وحدة الدراسات في مصرف «HSBC» الشهر الماضي، فإنّ مشاريع بقيمة 75 مليار دولار في الإمارات العربيّة المتّحدة قد ألغيت أو أجّلت بسبب الأزمة الاقتصاديّة العالميّة. ونمط الإلغاء هذا مستمرّ في البلد النفطي حيث أعلنت شركة «ديار» التابعة لحكومة دبي أنّها ستؤجّل تنفيذ 25 في المئة من المشاريع التي تحتويها محفظتها
حسن شقراني
قطاع العقارات في الإمارات العربيّة شهد خلال السنوات الأخيرة فورة غير عاديّة رفعت الأسعار ارتفاعاً قياسيّاً، بل وهستيرياً. لكن مع تداعيات الأزمة العالميّة تنخفض الأسعار بصورة دراماتيكية أيضاً، لتصل نسبة التراجع في دبي مثلاً إلى أكثر من 25 في المئة بما يتعلّق بأسعار الشقق والمنازل والإيجارات، بحسب تقديرات مصرف «Morgan Stanley».
وهذا الانخفاض هو جزء من النمط الجاري، الذي تقول السلطات إنّه تصحيحي، والذي يؤدّي إلى تراجع مشاريع الاستثمارات العقاريّة تراجعاً حاداً مع سعي الشركات الحكوميّة العملاقة إلى خفض الأكلاف، وبالتالي تأجيل أو حتّى إلغاء مشاريع كانت مقرّرة في محافظها الماليّة.
فخلال الشهر الماضي، أعلنت شركة «نخيل» التابعة لحكومة دبي، والمسؤولة عن تشييد جزر النخيل عند شواطئ الإمارة، أنّها ستوقف العمل لعام كامل في بناء برجها الشهير الذي يبلغ طوله 1 كيلومتر، والمتوقّع أن يُصنّف أطول برج في العالم. وهذا القرار جاء بعد الإعلان عن توقّف العمل أيضاً في «برج ترامب» (نسبة إلى المستثمر الأميركي الشهير دونالد ترامب) الذي تبلغ كلفته 789.5 مليون دولار، والذي يقع على إحدى الجزر الاصطناعيّة الثلاث. يوم أمس، انضمّت «ديار» إلى زميلتها في الإمارة، كاشفة عن أنّها ستؤجّل على الأقلّ 25 في المئة من مشاريعها المقرّرة، وأنّها ستحوّل ملكيّة بعض الأشخاص في إنشاءات بدأ العمل بها أو لا يزال نظرياً، إلى مشاريع أخرى حيث سيجري العمل بوتيرة سريعة.
وهذا الواقع الذي أضحت فيه «ديار» يبدو حتمياً نظراً إلى انعاسكات الأزمة العالميّة وانفجار فقاعة العقارات في الإمارة، ويتبلور على الرغم من تحقيق الشركة نموّ في الأرباح بلغت نسبته 59 في المئة في الربع الأخير من العام الماضي، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2007. وتجدر الإشارة إلى أنّ الشركة كانت قد أعلنت خلال الشهر الماضي أنّها تنوي تجميد المشاريع غير المباعة بسبب الأزمة الماليّة.
وفي السياق، نقلت وكالة «رويترز» عن المدير التنفيذي للشركة الإماراتيّة، ماركوس جيبل، قوله «من المهمّ جداً أن تركّز ديار على تعديلها حافظة المشاريع خاصّتها، وتعديل الموارد لمجاراة التغيّر في ديناميكيّة السوق وأسس النموّ الطويل المدى والاستقرار في السوق الإقليميّة للعقارات». وأوضح أنّ شركته ستنهي العمل بـ 5 مشاريع سكنيّة وتجاريّة وستسلّمها خلال العام الجاري، ولا يزال لديها 22 مشروعاً تتراوح قيمتها بين 20 مليار دولار و25 مليار دولار قيد الإنشاء.
موجة تأخير أو إلغاء المشاريع هذه هي نفسها التي تشهدها بلدان الخليج الأخرى. فخلال 6 سنوات من فورة أسعار النفط والارتفاع القياسي في تدفّق البترودولارات، تركّزت استثمارات المصارف والمؤسّسات الماليّة على تأمين قروض الاستثمار لتطوير مشاريع الطاقة والبنى التحتيّة في بلدان مجلس التعاون الخليجيّ. ولكن أزمة سوق الائتمان التي تحوّلت إلى تدهور في الأسواق الماليّة في بداية خريف العام الماضي، دفعت إلى إعادة النظر في معظم المشاريع الحديثة من منطلق خفض الأكلاف في المرحلة الحاليّة نظراً إلى شحّ السيولة.
وعلى سبيل المثال، أعلن «مصرف الاستثمار الكويتي» والشركة الفرنسيّة «GDF Suez» أنّهما سيؤجّلان العمل في مشروعهما الضخم المشترك في البحرين، القاضي ببناء مصنع «الدور» للطاقة والمياه، الذي تبلغ كلفته 2.2 مليار دولار، بسبب ضيق الأحوال في سوق الائتمان العالميّة. ومن المتوقّع أن يكون مموّلو المشاريع الاستثماريّة العملاقة ينتظرون بداية النصف الثاني من العام الجاري، التي يعوّل على أنّها ستحمل خفضاً في أكلاف التمويل، من أجل استعادة النشاط التمويلي.
وفي دلالة جديدة على مدى حدّة الأزمة التي تطال شركات الاستثمار العقاري، شكلت حكومة الإمارات لجنة للتوصية بسبل لمساعدة شركتي التمويل العقاري الإسلامي «تمويل» و«أملاك» على تطوير أعمالهما في مواجهة التحديات الاقتصادية. وقالت اللجنة التي يرأسها وزير الاقتصاد سلطان المنصوري، إنّها ستعدّ تقريراً وتصدر توصيات للحكومة بحلول نهاية الشهر الجاري، بهدف «تحقيق درجة أكبر من الاستقرار في قطاع العقارات في الإمارات».
وقالت اللجنة إنها ستحلّل السيناريوهات المستقبلية المختلفة للشركتين في مواجهة تحديات طويلة الأمد في سوق التمويل العقاري نتيجة للأزمة المالية العالمية. وخصوصاً أنّ هذه السوق كانت الأكثر تضرّراً في الإمارات بسبب الأزمة العالميّة، ولكونها عاشت فقاعة ضخمة خلال السنوات الأخيرة.


سيولة

أعلنت حكومة أبو ظبي أنّها قرّرت ضخ سيولة إضافية بقيمة 4.36 مليارات دولار في 5 مصارف عبر سندات لدعم رؤوس أموالها وذلك لتعزيز الثقة في النظام المالي وسط الأزمة العالمية. وقالت في بيان إنّها تعتقد في ضوء الأوضاع الاقتصادية العالمية الراهنة أن هذه المبادرة الاستراتيجية تعدّ استجابة مناسبة وإيجابية لضمان مزيد من الدعم للمؤسسات المالية في أبو ظبي. والمصارف الخمسة هي: «بنك أبو ظبي الوطني»، «بنك أبو ظبي التجاري»، «بنك الخليج الأول»، «مصرف أبو ظبي الإسلامي» و«بنك الاتحاد الوطني».