في مواجهة «العادات السياسيّة السيّئة» في واشنطن والتقليد الاقتصادي الفاشل الذي مارسه الجمهوريّون خلال 8 سنوات من حكم الرئيس جورج بوش الابن، يطرح الرئيس باراك أوباما، في مقالة نشرت في صحيفة «واشنطن بوست» أمس، رؤيته للتغيير الاقتصادي لكشف عبثيّة العرقلة التي يفرضها معارضو خطّته الإنقاذيّة التي تبلغ قيمتها 900 مليار دولار
باراك أوباما*
يتّضح للجميع الآن أنّنا ورثنا أزمة اقتصاديّة عميقة وقاسية لدرجة تقارب مستويات الكساد العظيم. ملايين الوظائف التي كان الأميركيّون يعوّلون عليها قبل عام اختفت، وملايين أخرى من المشاريع الصغيرة التي جهدت العائلات لإطلاقها اختفت أيضاً. والناس في كلّ مكان قلقون ممّا ينتظرهم في المستقبل. ما يتوقّعه الأميركيّون من واشنطن هو إجراءات عمليّة توازي الحالة الطارئة التي يشعرون بأنّها تسيطر على حياتهم اليوميّة. إجراءات يجب أن تكون سريعة وجريئة وحكيمة لدرجة تمكّن من الخروج من الأزمة. لأنّ كلّ يوم يمرّ وننتظر فيه بداية العمل لإنعاش اقتصادنا، المزيد من الأشخاص يخسرون وظائفهم ومدّخراتهم ومنازلهم. وإذا لم نقم بشيء فإنّ هذا الركود قد يستمرّ أعواماً. وسيخسر اقتصادنا 5 ملايين وظيفة إضافيّة. وسيتخطّى معدّل البطالة عتبة الـ10 في المئة، وستغرق أمّتنا أكثر في أزمة قد لا يعود باستطاعتنا معالجتها في نقطة زمنيّة معيّنة.
ولهذه الأسباب أشعر بمدى أهميّة إقرار خطّة الإنقاذ الاقتصادية في الكونغرس. بفضلها سنستطيع إنقاذ أو خلق 3 ملايين وظيفة جديدة خلال العامين المقبلين، وتأمين خفوضات ضريبيّة لـ95 في المئة من العمّال الأميركيّين، وإطلاق شرارة الإنفاق الرأسمالي والاستهلاكي، واتخاذ خطوات بهدف تقوية بلدنا سنوات مقبلة.
هذه الخطّة هي أكثر من وصفة للإنفاق القصير المدى، إنّها استراتيجيّة لنموّ الولايات المتّحدة على المدى الطويل وتوافر فرصة للاستثمار في قطاعات مثل الطاقة المتجدّدة والصحّة والتعليم. وهي استراتيجيّة ستطبّق بمعايير شفّافة ومحاسبيّة لم تُشهد من قبل.
خلال الأيّام الماضية، كانت هناك انتقادات مضلّلة للخطّة تعكس فشل النظريّات التي أدّت إلى وصولنا إلى هذه الأزمة: الفكرة بأنّ الخفوضات الضريبيّة ستحلّ جميع مشاكلنا، وأنّنا نستطيع مواجهة التحدّيات من خلال خطوات ناقصة وإجراءات مقزّمة، أنّنا نستطيع تجاهل التحدّيات الهيكليّة مثل الاستقلال الطاقوي والكلفة المرتفعة للرعاية الصحيّة، وفي الوقت نفسه نتوقّع أنّ اقتصادنا وبلدنا سيزدهران.
أنا أرفض هذه النظريّات، وكذلك يرفضها الأميركيّون الذين توجّهوا إلى صناديق الاقتراع وصوّتوا للتغيير. إنّهم يعرفون أنّنا حاولنا بهذه الطريقة لفترة طويلة. وبما أنّنا جرّبنا فإنّ كلفة الرعاية الصحيّة لا تزال ترتفع أسرع من معدّل التضخّم. واعتمادنا على النفط الخارجي لا يزال يهدّد اقتصادنا وأمننا. أطفالنا لا يزالون يدرسون في مدارس لا تؤمّن لهم الأفضليّة. وسنرى التداعيات المأسويّة عندما تنهار جسورنا وتتعطّل العبّارات.
كلّ يوم يزداد مرض اقتصادنا والوقت هو الآن من أجل تطبيق العلاج الذي يعيد الأميركيّين إلى العمل ويحفّز الاقتصاد والاستثمار في النموّ المستدام.
الآن هو الوقت لحماية التأمين الصحّي لأكثر من 8 ملايين أميركي يعيشون خطر خسارة التغطية الصحيّة، ولبدء عمليّة مكننة البيانات الصحيّة خلال 5 سنوات، التي من خلالها يمكن إنقاذ مليارات الدولارات وعدد لا يحصى من الأرواح. الآن هو الوقت لتوفير مليارات الدولارت من خلال جعل مليوني منزل و75 في المئة من المباني الحكوميّة موفّرة للطاقة، ولمضاعفة قدرتنا على إنتاج مصادر الطاقة البديلة خلال 3 سنوات. الآن هو الوقت لمنح أطفالنا جميع الأفضليّات التي يحتاجون إليها من أجل المنافسة، وذلك عبر تطوير 10 آلاف مدرسة مع صفوف حديثة، ومكتبات ومختبرات، وعبر تدريب مدرّسينا في الرياضيّات والعلوم، وعبر جعل حلم العلم الجامعي حقيقة لملايين الأميركيّين.
والآن هو الوقت المناسب لخلق الوظائف التي تعيد بناء أميركا للقرن الـ21 من خلال إعادة بناء الطرقات المترهّلة والجسور والعبّارات، وتصميم شبكة كهربائيّة ذكيّة، ووصل كلّ زاوية من البلاد بمركز المعلومات.
هذه هي الإجراءات التي يتوقّع الأميركيّون أن نقوم بها من دون تأخير. هم صبورون لدرجة أنّهم يعلمون أنّ تعافي اقتصادنا يقاس بالسنوات لا الأشهر. ولكنّهم ليسوا صبورين على العقبات الحزبيّة التي تمثّل عائقاً أمام العمل.
لذا لدينا خيار لاتخاذه. نستطيع مجدّداً أن ندع العادات السيّئة في واشنطن تقف في طريق التقدّم، أو يمكننا أن نتضافر ونقول إنّ في أميركا، ليس القدر مكتوباً لنا بل نكتبه نحن. نستطيع وضع أفكار جيّدة أمام المعارك العقائديّة، ووضع حسّ من المنطق الهادف إلى المحازبيّة التقليديّة. نستطيع أن نتحرّك بجرأة لتحويل الأزمة إلى فرصة، ولنكتب معاً الفصل العظيم المقبل من تاريخنا ومواجهة تحدّي زماننا.
*رئيس الولايات المتّحدة


انتظار التصويت

تواجه الخطّة الاقتصاديّة التي صاغتها إدارة الرئيس باراك أوباما قبل وصول الرئيس الديموقراطي حتّى إلى البيت الأبيض، معارضة الجمهوريّين في مجلس الشيوح بعدما مرّرها النوّاب بتصويت «مثالي» الأسبوع الماضي. ويقوم السيناتورات بتعديل الخطّة التي وصلت قيمة نسختها الأحدث إلى 900 مليار دولار، ولا تزال تنتظر التصويت عليها من أجل الإقرار، فيما البلاد تغرق أكثر في الركود الذي يسيطر عليها منذ كانون الأوّل من عام 2007. فقد ارتفعت البطالة إلى 7.2 في المئة، ويُتوقّع أن يتقلّص الاقتصاد بنسبة 1.9 في المئة خلال العام الجاري.