من بين التداعيات الأخطر للأزمة الاقتصادية العالمية، هي تلك المتعلّقة بالأوضاع الاجتماعية وارتباطاتها الإثنيّة والطبقية حول العالم. ومن هذا المنطلق يجب إقرار خطط التحفيز الاقتصادي حول العالم، وتحديداً خطة الرئيس الأميركي باراك أوباما، لأن إهمالها سيؤدي إلى «عواقب أخطر»
نيويورك ـ نزار عبود
قد ينظر العالم إلى خطة الرئيس الأميركي باراك أوباما بإنفاق 790 مليار دولار (بعد تعديلات مجلس الشيوخ) في مشاريع تحفيز الاقتصاد بأنها مفيدة للإنقاذ من الغرق في رمال الكساد، باعتبار أن تحريك الاقتصاد في الولايات المتحدة قد يجر معه الاقتصادات الأخرى. لكن عدداً من كبار خبراء الاقتصاد، وعلى رأسهم الأميركي الحائز جائزة نوبل للاقتصاد، الأستاذ في جامعة كولومبيا، جوزف ستيغليتز، وصفها برمي المال في النفايات (Cash For Trash). أما رئيس وزراء هولندا السابق، فيم كوك، ومعه عدد من الزعماء الأوروبيين، فقد حذروا من أن يحيي طول أمد الأزمة المالية مخاطر التخلي عن حرية التجارة التي كان لها الفضل الأكبر في وقف الحروب بين الكتل الرأسمالية الكبرى خلال فترة ما بعد الحرب الثانية. ودعا إلى ضرورة استدراك القيادات لمخاطر استيقاظ الأحقاد بين الدول، أو بين المكوّنات الاجتماعية داخل كل دولة على حدة كما بدأ بالفعل. ورأى أن الفقراء مهددون بدفع الثمن الأغلى فيها.
وقال كوك لـ«الأخبار» على هامش مؤتمر يعقد في نيويورك على مدى عشرة أيام تنظمه مفوضية التنمية الاجتماعية في الأمم المتحدة، إنه يشعر بقلق بالغ من مخاطر الاضطرابات الاجتماعية. وأشار إلى أن الحمائية «جلبت الويلات للدول الصناعية المتطورة في الثلاثينيات من القرن الماضي... أما في الدول الأقل تطوراً صناعياً، مثل الاقتصادات الناشئة، فيمكن أن يصبح الظرف درامياً إذا لم يتذكر القادة واجباتهم الاجتماعية حيال الفقراء».
ومن المعلوم أن الدول الصناعية الغنية التي قدمت الدعم السخي لقطاعاتها الزراعية في عقود الازدهار، منعت التنمية والتقدم بحمايتها للقطاع في الدول الفقيرة. وعندما تقدم على دعم القطاعات المصرفية والتأمين والسيارات تكرر الأمر نفسه ثانية. لذا قال كوك، الذي شارك كممثل عن نادي مدريد الذي يضم 72 من قادة ورؤساء حكومات من 51 دولة، إن ما يجري اليوم سيكون له أبلغ الأثر على المستقبل. «إنها ليست مجرد أزمة مالية واقتصادية، إنها أزمة نظامية ستترك آثاراً جوهرية على تحقيق أهداف التنمية الألفية (المقرر بموجبها تقليص الفقر وسخونة المناخ والأمراض إلى النصف بحلول 2015). ويتعين على قادة العالم العمل بأقصى سرعة وأعلى جهد ممكن من أجل تخفيف حدة الركود الاقتصادي الحاصل، ومعالجة عواقبه الاجتماعية، فضلاً عن الاقتصادية».
وأكد أن الهندسة المالية العالمية باتت في حاجة ملحة للإصلاح. فالمؤسسات التي انبثقت عن مؤتمر بريتون وودز عام 1945 والتي تولت حتى الآن تنظيم الاقتصاد العالمي «كشفت عن هشاشة وعجز عن رصد الأزمات قبل وقوعها». كما أنها «عجزت عن وضع الإجراءات اللازمة لمنع انتشار عدوى المضاربات المالية التي أصابت كل أشكال التمويل، وأفضت إلى حدوث خلل في التوازن بين الأسواق المالية والاقتصاد الفعلي».
تجدر الإشارة هنا إلى أن عمليّة إنتاج البدائل للنظام المالي العالمي القائم قد بدأت في قمة مجموعة الدول العشرين الكبرى في واشنطن في تشرين الثاني الماضي، وستستكمل في قمة لندن في نيسان المقبل.
ورأى كوك أن بوسع القادة تحاشي النزعات الحمائية عن طريق تأمين تنسيق بين الدول والمؤسسات الدولية المتعددة الأطراف وتعزيز أدوارها. وأشار إلى أن هناك ما لا يقل عن 10 في المئة من سكان دول العالم يندرجون في خانة الأقليات. ويخشى أنه مع استفحال الأزمة الاقتصادية سيتضاعف التوتر الاجتماعي على حساب تلك الأقليات على أسس طبقية وعرقية وثقافية ودينية، قائلاً: «بدأ ينظر إلى هذه الأقليات كتهديد، وتحويلها إلى كبش فداء في الأزمة». وألقى على عاتق الزعماء واجب «جعل الأقليات تشعر بأنها جزء من نسيج المجتمع وتحترم كرامته وحقوقه الإنسانية وتتيح له مبدأ المعاملة المتكافئة في فرص العمل منعاً لتكرار أخطاء الماضي».
المسؤول الهولندي الذي شغل منصب رئيس الوزراء لثماني سنوات، وكان قبلها وزيراً للمال، رأى أن كلفة خطّة أوباما ليست باهظة، بينما يمكن أن يؤدي إهمالها إلى عواقب كثيرة في شتى النواحي.
وحذر أيضاً من أنه مع عودة الحرارة إلى الاقتصاد العالمي سيستأنف الطلب على الطاقة والمواد الأولية والمواد الخام. وعندها «قد تنطلق شرارة صراع دولي للسيطرة على المصادر كما حدث في الماضي. وهذا يؤدي إلى حدوث نزاعات. لذلك فإن العمل على إنتاج الطاقات البديلة من شأنه تخفيف النزاعات الداخلية أو الخارجية على حد سواء».


تحدّيات مضاعفة

وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي، فإن الأزمة الاقتصادية العالمية أعادت حوالى 100 مليون نسمة إلى الفقر في العالم، ما يزيد التحديات أمام أهداف الألفية التي وضعتها الأمم المتحدة. وفي ظل توقعات صندوق النقد بأن الاقتصاد العالمي سينمو بنسبة لن تزيد عن 0،5 في المئة خلال العام الجاري، يبدو أن الأمور ستزداد سوءاً على الفقراء، فكيف بالنسبة للأقليأت بينهم، حيث تتضاعف العوائق، وخصوصاً لارتباط الأزمة بمسائل حقوقية واجتماعية في ظل ارتفاع وتيرة النزعات الحمائية، وآخرها في الولايات المتحدة.