يا للعار». لم يكن لدى الرئيس الأميركي باراك أوباما سوى هذه العبارة لوصف ممارسات المديرين الكبار في المصارف الضخمة في «وول ستريت». ففيما كانت إدارته تدرس تدابير الإنقاذ، أظهرت الأرقام أنّ مديري المؤسّسات الماليّة تقاضوا 18 مليار دولار «مكافآت». واليوم يمتدّ «العار» إلى بريطانيا، حيث يعترف أربعة مديرين سابقين من «كبار النظام» بـ«أخطاء جسيمة»
حسن شقراني
تبيّن في تقرير أصدرته مؤسّسة «New York State Comptroller» الشهر الماضي، أنّ كبار المديرين التنفيذيّين في كل المؤسّسات الماليّة والمصارف في «وول ستريت» تقاضوا مكافآت وصلت قيمتها إلى 18 مليار دولار خلال العام الماضي، أي حين كانت الأزمة الماليّة تفتك بسوق الائتمان وبالبورصات. هذه الحقيقة دفعت الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إلى الإعراب عن سخطه الكبير على الممارسات الجشعة، في الوقت الذي تبحث فيه إدارته كيفيّة إنفاق الـ350 مليار دولار الباقية من خطّة الإنقاذ المالي (TARP) التي تبلغ قيمتها 700 مليار دولار.
هذا الجشع الذي ساد في وسط نخبة القطاع المالي والمصرفي كان من بين الأسباب الكثيرة، إلى جانب فقدان الرقابة والتهوّر في منح القروض وتقويم الأوراق الماليّة، الكامنة وراء الانهيارات الحادّة التي انطلقت في نيويورك لتصل إلى شانغهاي، ولتتحوّل بالتالي إلى أزمة اقتصاديّة تهدّد بارتفاع عدد العاطلين من العمل في العالم إلى حوالى 230 مليون شخص في نهاية العام الجاري.
لكن هذه الصفة لم تكن حصراً بالمديرين التنفيذييّن الماليّين الأميركيّين فحسب، بل اتخذت طابعها المتطرّف لديهم بسبب طبيعة النظام المالي القائم الذي يسمح للمصارف الاستثماريّة مثلاً (التي لم يعد هناك وجود لها «حتّى الآن») بالتفلّت من الرقابة من ناحية احترام الملاءة الماليّة، حيث وصلت في بعض الأحيان نسبة القروض إلى الأصول إلى 80/1 (أي إنّ مقابل كلّ 80 دولاراً مقترضاً هناك تغطيّة فعليّة بدولار واحد فقط).
فقد كانت الممارسات الناتجة من تلك الصفة موجودة في جميع بلدان مراكز العولمة تقريباً. ويوم أمس، اعترف أربعة مديرين تنفيذيّين سابقين في مصارف مرموقة بارتكاب أخطاء في إدارة شؤون مؤسّساتهم، وذلك في جلسات شهادة أمام لجنة ألّفتها وزارة الخزانة للتحقيق في أسباب التطوّرات التي دفعت إلى تدهور الأوضاع في القطاع المالي.
ووفقاً للرئيس السابق لمجلس إدارة المصرف العملاق، «Royal Bank of Scotland»، توم ماكيلوب، فإنّ استيلاء مؤسّسته على مصرف «ABN Amro» كان «خطأً فظيعاً»، وخصوصاً أنّ المصرفين وصلا إلى حدّ الإفلاس بعدها. واللافت هو أنّ الحجّة القائمة بين قادة القطاع المالي هي أنّ الضغوط التي يتعرّضون لها في عملهم تضطرّ مؤسّساتهم إلى منحهم مكافآت هائلة لـ«تحفيزهم» على تحمّل ذلك الضغط. وعلى سبيل المثال، فقد وصل دخل المدير التنفيذي السابق للمصرف المذكور، فريد غودوين، الذي يمثّل أمم اللجنة أيضاً، إلى 4.19 ملايين جنيه استرليني (6.28 ملايين دولار) خلال عام 2007، فيما حصل ماكيلوب على 750 ألف جنيه (1.12 مليون دولار) أي إنّ راتبه الشهري كان 62500 جنيه، أي ما يساوي حوالى 112 ألف دولار بحسب أسعار الصرف حينها.
ولكن إذا كان المديرون يتقاضون بالفعل هذا المبلغ لمواجهة الضغط، فكيف يمكنهم ارتكاب هذه الأخطاء الشنيعة؟ هذا السؤال والواقع المنبعث منه دفعا أحد البرلمانيّين من اللجنة إلى القول لغودوين: «لقد دمّرت مصرفاً بريطانياً عظيماً» وفقاً لما نقلته وكالة «رويترز».
والمديران الآخران اللذان يخضعان للاستجواب من اللجنة هما المدير التنفيذي السابق لمصرف «HBOS»، آندي هورنبي، الذي تقاضى 1.93 مليون جنيه (حوالى 2.8 مليون دولار) خلال العام الماضي، والرئيس السابق لمجلس إدارة المصرف نفسه، دينيس ستيفينسون الذي وصل مرتّبه إلى 1.39 مليون جنيه (حوالى مليوني دولار) في عام 2008.
وهكذا يصل حجم الرواتب التي حصل عليها المديرون الأربعة الخاضعون للاستجواب (وفقاً للتقديرات المعدّلة على أساس سنوي) إلى 12.2 مليون دولار!
وبالعودة إلى الواقع الموازي في الولايات المتّحدة، قد يبدو «العار المصرفي» البريطاني متواضعاً. فقد بلغ دخل المدير التنفيذي السابق لمصرف «Merrill Lynch»، جون تاين، خلال عام 2007، 83 مليون دولار، متصدّراً لائحة تضمّ كافّة «زملائه»، واللافت هو أنّ مكافآت مليونيّة على هذه الشاكلة استمرّت خلال الماضي، حين كان القطاع في صخب الأزمة، ما دفع المسؤولين في ولاية نيويورك إلى إطلاق تحقيق في شأن تلك المكافآت التي وزّعت فيما كان المصرف يُجري تدابير سيطرة مصرف «Bank of America» عليه.
ورغم أنّ حجم المكافآت المخصّصة للمديرين في «وول ستريت» انخفض بنسبة 44 في المئة خلال العام الماضي، إلّا أنّه بقي سادس أعلى معدّل مسجّل، وعكس في اللحظة الصحيحة «عار المصرفيّين».


طرد واحتجاج

نظّم موظّفو المصارف البريطانيّة احتجاجاً أمام مبنى البرلمان أمس، على «طمع المديرين المصرفيّين» الذين وضعوا وظائفهم في مهبّ الريح بسبب المكافآت الهائلة التي حصلوا عليها وأضعفت المكانة الماليّة لمؤسّساتهم. فمنذ تفاقم الأزمة الماليّة، أعلنت المصارف إلغاء 14 ألف وظيفة، وهو النمط الذي ساد في معظم المؤسّسات الشبيهة في العالم، حيث تجاوز عدد الموظّفين المطرودين 300 ألف موظّف. وطالبت نقابة «الاتحاد» (المعنيّة بشؤون الموظّفين المصرفيّين) الحكومة بأن تبحث في تفاوت الدخل، وخصوصاً على صعيد المكافآت.