محمد بديرإذا كان شأن الانتخابات حسم هوية الجهة السياسية التي يفوّض إليها الشعب الحكم، فإن هذا ما لم تفعله الانتخابات الإسرائيلية أول من أمس. هذا على الأقل ما يبدو عليه المشهد السياسي الإسرائيلي غداة إدلاء الناخبين بأصواتهم في واحدة من أغرب المعارك الانتخابية سياقاً ونتائج.
وبعيداً عن القراءة الباردة في دلالات ما حصل، وهي قراءة سيجد المراقبون الوقت الكافي لها لاحقاً، فإن الاستحقاق الداهم الذي يواجه إسرائيل اليوم هو حل المعضلة التي تمخضت عنها عملية الاقتراع؟ معضلة تتلخص بالإجابة عن سؤال بسيط هو: من الذي فاز في هذه الانتخابات؟ هل هو حزب «كديما»، الذي حصد العدد الأكبر من مقاعد الكنيست، أم «الليكود»، الذي خرج من الانتخابات زعيماً لمعسكر يمتلك أكثر من نصف مقاعد البرلمان؟ وإذا كان طبيعياً أن ينقسم الرأي في إسرائيل بين مؤيدٍ لهذه الإجابة أو تلك بحسب بعد الشخص أو قربه من أي من الحزبَين المتنازعَين للقب، فإن هذا الانقسام بحد ذاته شاهد على أن ما فعلته الانتخابات هو إعادة تحديد أحجام الكتل النيابية من دون أن تحسم هوية حزب السلطة. وأمام هذه المفارقة، وجد المتنافسان الرئيسان نفسيهما يسعيان إلى تكريس ادعائهما الفوز عبر انتهاج سياسة فرض الأمر الواقع. وهذا بالضبط ما فعله كل منهما في سلسلة اللقاءات التي بدآها أمس مع بقية الأحزاب لتأليف كتلة مانعة في وجه خصمه. زعيم «الليكود»، بنيامين نتياهو، التقى بزعيم حزب «شاس» إيلي يشاي، ورئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، الذي التقته بدورها تسيبي ليفني.
السباق بين الطرفين سيكون حالياً على ليبرمان، الذي يبدو الفائز الأكبر في الانتخابات، إذ في خضم هذه المعمعة الائتلافية القائمة في إسرائيل، ثمة شيء واحد لا تشمله خلافات الرأي: أن بيد زعيم «إسرائيل بيتنا» مفتاح حسم شخص رئيس الحكومة المقبل. فتسميته أياً من ليفني أو بيبي لدى رئيس الدولة، شمعون بيريز، كفيلة بأن ترجح كفة اختيار الأخير للمُسمّى مكلفاً لتأليف الحكومة.
ومهما تكن الحال، فإن شخصية رئيس الحكومة هي فقط قمة جبل الجليد التي يفضل الساسة الإسرائيليون قصر نظرهم على رؤيتها، في وقت يدركون فيه أن المشكلة الحقيقية تتمثل في قاعدة هذا الجبل، وهي مشكلة تركيبة الائتلاف الحكومي المقبل.
ويمكن القول عموماً إن الأمور تدور هنا بين ثلاثة خيارات: حكومة يمينية صرفة برئاسة نتنياهو، أو حكومة وحدة وطنية بصيغ مختلفة وبزعامة «الليكود»، أو حكومة مناوبة بين «الليكود» و«كديما»، أو حكومة مصغّرة برئاسة ليفني، تضمّ «العمل» و«إسرائيل بيتنا» و«يهدوت هتوراه».
وبمعزل عن فرص أي من هذه الخيارات في التحول إلى واقع، فإن ما هو شبه مؤكد أن الحكومة الإسرائيلية المقبلة ستعاني من تناقضات وتوترات بمستوى يحوّل رئيسها إلى إطفائي متنقل أو شرطي سير وسط زحمة خانقة، بحيث لن يكون متفرغاً للشأن السياسي، على فرض رغبته في ذلك.