هل تؤدّي الأزمة الاقتصاديّة إلى نشوء نزاعات بين الحكومات ورجال الأعمال الكبار؟ الفرضيّة واقعيّة على اعتبار أنّ النظام القائم يفترض في أوقات رخائه «حلفاً» بين «الرأسماليّين» والسلطة. ولكن حين تتحوّل الأمور إلى «معمعة ماليّة» وتدخل التوقّعات كإحداثيّة أساسيّة، تظهر التناقضات: «الخلاف» بين الرئيس المكسيكي فيليبي كالديرون والملياردير كارلوس سليم مثالاً
حسن شقراني
من المؤكّد أنّ موجة الركود التي تضرب البلدان الناشئة والفقيرة والغنيّة، على حدّ سواء، تستدعي جهوداً حكوميّة أكبر من أجل السيطرة على التدهور في الجوانب الحقيقيّة من الاقتصادات، وإنعاش المؤشّرات الحيويّة (الإنتاج والطلب) لمواجهة الانعكاسات الاجتماعيّة الخطيرة (ارتفاع معدّلات البطالة) لاحتواء الاضطرابات الاجتماعيّة، وبالتالي السياسيّة. ولكن هذا الواقع، وإن كان إيجابياً لأنّه يعكس عمليّة تصحيح لأسواق بقيت منفلتة من الرقابة فترة طويلة، يعدّ سيّئاً بالنسبة إلى المستثمرين، وأحدهم رجل الأعمال المكسيكي كارلوس سليم، ثاني أغنى رجل في العالم وفقاً لمجلّة «Forbes».
ولكنّ سليم ليس مستاءً من الحكم في مكسيكو سيتي، بل على العكس، الرئيس المكسيكي فيليبي كالديرون مستاء منه لأنّه أعرب عن «توقّعات خطيرة» في ما يتعلّق باقتصاد بلاده.
ففي مؤتمر «المكسيك قبل الأزمة» الذي رعاه المشرّعون في البلد اللاتيني، الاثنين الماضي، توقّع الملياردير اللبناني الأصل، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء الألمانيّة (DPA)، أن تؤدّي الأزمة الاقتصاديّة والماليّة العالميّة إلى انهيار في الناتج المحلّي المكسيكي إلى مستويات لم تسجّل منذ ثلاثينيّات القرن الماضي. وقال: «سيكون الوضع حسّاساً جداً. لا أريد أن أكون متشائماً، ولكن علينا الاستعداد للنظر إلى الأمام لا إلى النتائج والبكاء».
ويظهر أنّ «الهجوم المعاكس!» على سليم تتولّاه جميع الدوائر الحكوميّة. فوزير العمل خافييز لورانزو رفض توقّعات سليم «التشاؤميّة»، مشيراً إلى «أنّني لم أسمع بعد ما ستكون مساهمته الخاصّة بهدف معالجة المشكلة»، وهي النقطة نفسها التي ركّز عليها كالديرون حين قال «نحن جميعاً مجبرون على دعم المكسيك، وتحديداً من استفاد بيننا من هذه الأمّة العظيمة».
والأوقات بالفعل صعبة بالنسبة إلى الاقتصاد رقم 13 في العالم من حيث الناتج المحلّي (1.21 تريليون دولار في عام 2008). فإضافة إلى تداعيات الأزمة الاقتصاديّة العالميّة، هناك تأثير مضاعف سبّبه اعتماد البلد اللاتيني على جاره الشمالي، الولايات المتّحدة، حيث ينخفض الطلب انخفاضاً دراماتيكياً، ما دفع العجز التجاري الأميركي إلى مستويات قياسيّة خلال 6 سنوات.
ومنذ آب الماضي، انخفض سعر صرف البيزو بنسبة 30 في المئة. ويوم أمس، أوضحت البيانات الرسميّة أنّ إنتاج السيّارات في البلاد تراجع بنسبة 51 في المئة في كانون الأوّل الماضي (مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي). وهذه إشارة مهمّة، لأنّ هذا القطاع هو الأكبر في البلاد، ويذهب 70 في المئة من إنتاجه إلى الولايات المتّحدة، وهو شهد خلال العام الماضي مئات الوظائف.
ويبدو من السجال الحاصل بين «الرئيس» و«الملياردير» أنّ هناك بعداً سياسياً في المسألة، حيث قال كالديرون في ردّه على توقّعات سليم، «ليس المهمّ يا أصدقائي هو من يعطي أسوأ التوقّعات أو من هو القادر على نشر الرعب الأكبر في نفوس المكسيكيّين، بل ما يمكن لكلّ واحد منّا أن يفعله للمكسيك». ومن المعروف أنّ شعبيّة حزب الرئيس، «الحركة الوطنيّة»، تنخفض انخفاضاً ملحوظاً، فيما يُرجّح تقلّص الاقتصاد بنسبة 1 في المئة خلال العام الجاري.
من هذا المنطلق، تزداد التساؤلات عن الهامش بين المسؤوليّات الاقتصاديّة الوطنيّة التي يتحدّث عنها كالديرون والصراع الذي يحكم العلاقة بين السياسيّين ورجال الأعمال الكبار، في أوقات الأزمات (ما حدث في لبنان مثلاً). فهل سليم مجبر على الترويج لسيناريوات ورديّة متعلّقة باقتصاد البلاد لأنّه حقّق ثروته وحلمه بالإمبراطوريّة الماليّة منذ اشترى شركة الاتصالات «Telmex» من الدولة في بداية تسعينيّات القرن الماضي؟ أم عليه أن يعطي رأيه بكلّ حريّة وإن كان رأيه له أبعاد سياسيّة، حسبما يُستشفّ من حديث كالديرون؟
الحقيقة هي أنّ رجال الأعمال والمستثمرين قد يجدون أنفسهم في وقت من الأوقات أقوى من الدول. وعلى سبيل المثال، عندما كان زعماء العالم يئنّون من وضعهم الصعب بسبب الأزمة الاقتصاديّة العالميّة وصعوبة تحقيق التحفيز، كان المستثمر العملاق جورج سوروس فخوراً بكيفيّة تمكّنه من توقّع الأزمة الماليّة وتعديل محفظته الماليّة لتجنّب المخاطر.
والأكيد هو أنّ الصراع بين كالديرون وسليم سيزداد، على الأقلّ إلى حين الانتخابات الرئاسيّة المقبلة في عام 2012، وحينها سيكون عمر الملياردير 73 عاماً، وثروته أكثر من الـ60 مليار دولار التي يملكها حالياً، واستثماراته «أرقى» من الحصّة التي استحوذ عليها أخيراً في صحيفة «New York Times» بعد إمداداها بـ250 مليون دولار.


مساعدة

أنشأت إدارة الرئيس المكسيكي فيليب كالديرون صندوقاً لإنقاذ الاقتصاد قيمته 140 مليون دولار (مليارا بيزو)، ويهدف إلى حماية 500 ألف وظيفة في قطاع صناعة السيّارات،الحيوي في البلاد، وصناعة الإلكترونيّات والآلات. وسيستخدم ثلث المبلغ المخصّص للصندوق لدفع رواتب لعمّال قامت شركاتهم بتجميد الإنتاج موقّتاً بسبب الأزمة الاقتصاديّة. وحسبما تنقل وكالة «أسوشييتد برس» عن نائبة وزير الصناعة والتجارة، فإنّ عشرين شركة حتّى الآن سجّلت اسمها للحصول على المساعدة، بينها الشركة الألمانيّة الأصل «Volswagen».