strong>بعد 10 سنوات من ولادتها تواجه منطقة اليورو التي أصبحت تضمّ 16 بلداً، أحد أكبر تحدّياتها بسبب الأزمة الماليّة العالميّة. فقد تراجع ناتجها المحلّي الإجمالي بنسبة قياسيّة في الربع الأخير من العام الماضي، ما يرفع الشكوك في إمكان صمودها في ظلّ موجة الركود، ومدى نجاح السياسة النقديّة التي يصوغها مصرفها المركزي
ازدادت حدّة الانكماش الاقتصادي في منطقة اليورو في الفصل الأخير من عام 2008 مع تسجيل تقلّص في الناتج المحلّي الإجمالي بنسبة 1.5 في المئة مقارنةً بالفصل السابق، وهي نسبة غير مسبوقة في تاريخ المنطقة، بحسب إحصاءات نشرتها وكالة الإحصاءات الأوروبيّة «Eurostat»، ونقلتها وكالة «فرانس برس». وفي ظلّ هذه الأرقام المخيّبة للمنطقة التي انضمّت إليها سلوفينيا في بداية العام الجاري، تكون دول اليورو قد شهدت ثالث فصل على التوالي من انحسار النشاط الاقتصادي، بعدما تراجع الناتج المحلّي الإجماليّ بنسبة 0.2 في المئة في الفصلين الثاني والثالث من العام الماضي. ومن بين بلدان المنطقة كان الاقتصاد الألماني الأكثر تأثّراً حيث تقلّص بنسبة 2.1 في المئة، وهو أعلى معدّل مسجّل خلال عقدين، أي منذ عام 1989، حين جرى توحيد الألمانيّتين الشرقيّة والغربيّة.
واللافت هو أنّ اقتصاد ألمانيا، الذي يعدّ الأكبر أوروبياً ورابع أكبر اقتصاد عالمياً (بعدما تقدّم عليه الاقتصاد الصيني)، كان قد تقلّص بنسب «متواضعة» لم تتجاوز الـ0.5 في المئة خلال الفصلين الثاني والثالث من عام 2008، وكان قد دخل بعدها في مرحلة انكماش. والنسبة الجديدة المسجّلة تشير إلى أنّ الأوضاع بالفعل تتّجه نحو التدهور بسبب انخفاض الطلب العالمي وموجة الركود التي يطلقها، ومن المعروف أنّ ألمانيا تعتمد بهوامش واسعة على الصادرات.
وخلال الشهر الماضي، توقّعت حكومة المستشارة أنجيلا ميركل أن يتقلّص الاقتصاد بنسبة 2.5 في المئة خلال العام الجاري (بعد نسبة نموّ بلغت 1.3 في المئة العام الماضي أي نصف النسبة المسجّلة في عام 2007)، ما يعدّ أسوأ نتيجة تُسجّل منذ الحرب العالميّة الثانية.
وفي فرنسا، أظهرت بيانات المكتب الوطني للإحصاءات أن الشركات تخلصت من وظائف في الربع الأخير من العام الماضي مع انكماش الاقتصاد بأسرع إيقاع في 34 عاماً مما ينبئ بضعف اقتصادي في الربع الأول من العام الجاري.
وأوضحت البيانات انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.2 في المئة خلال الربع الأخير من عام 2008 بينما كانت توقعات التراجع بنسبة 1.1 في المئة. وفي هذا السياق، قالت وزيرة الاقتصاد الفرنسية، كريستين لاغارد، في حديث لإذعة «RTL»، إنّ «ربع عام (2009) الأوّل سيكون صعباً. سنواجه عاماً صعباً».
وبحسب تقرير آخر أصدره المكتب نفسه، فإنّ خلق الوظائف تراجع بنسبة 0.6 في المئة على أساس فصلي و0.7 في المئة على أساس سنوي، في الوقت الذي ارتفع فيه عجز الميزانية في الفترة بين كانون الثاني إلى كانون الأول من العام الماضي، إلى 56.2 مليار يورو من 34.7 مليار يورو في العام السابق.
أمّا في إيطاليا، فقد بلغت نسبة تقلّص الاقتصاد خلال الربع الأخير من العام الماضي 1.8 في المئة، وهو أعلى معدّل تقلّص منذ عام 1980. واللافت أنّه عوضاً عن توقّع أرقام سيّئة بهذا الحجم، كان وزير المال، جيوليو تريمونتي، قد أكّد أنّ بلاده ستكون بمنأى عن الأزمة الماليّة التي انطلقت في الولايات المتّحدة، وأنّه لا يجوز الاستخفاف بقدرات الاقتصاد الإيطالي على الصمود وحتّى الانتعاس. وقد أعلن رئيس الوزراء سيلفيو برلوسكوني الأسبوع الجاري خطّة تحفيز اقتصادي تبلغ قيمتها ملياري يورو.
وهذه التطوّرات السلبيّة تطرح تحدّيات متزايدة على منطقة اليورو بصفتها وحدة نقديّة، ومن هذا المنطلق ترتفع الضغوط على المصرف المركزي الأوروبي، الذي يرأسه جان كلود تريشيه، من أجل خفض جديد لسعر الفائدة الرئيسيّة من 2 في المئة إلى 1.5 في المئة خلال اجتماعه المرتقب في آذار المقبل، بهدف تحفيز الاقتصادات من خلال تشجيع الطلب على الأموال والاستثمارات، وخصوصاً أنّ الضغوط التضخميّة انحسرت انحساراً كبيراً وأضحت في جميع بلدان المنطقة أدنى من السقف الذي يحدّده المصرف عند 3 في المئة.
وبالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، الذي يضمّ 27 بلداً فيبدو أنّه متّجه نحو تسجيل أرقام سيّئة موزاية لأرقام المنطقة، فخلال الفصل الرابع دخل رسمياً مرحلة انكماش مع تقلّص الناتج المحليّ الإجمالي فيه بنسبة 1.5 في المئة بعدما انخفض بنسبة 0.2 في المئة في الفصل السابق. وبحسب الخبراء فإنّ مرحلة الركود تعرّف بأنّها تأتي بعد فصلين متتاليين من التقلّص في الناتج المحلّي الإجمالي. ورغم ذلك، يبقى النمو الإجمالي لعام 2008 كله في الاتحاد الأوروبي إيجابياً بفضل أداء اقتصادي جيد في الفصل الأول من السنة، وتقدّر نسبته بـ0.9 في المئة، فيما تنخفض هذه النسبة إلى 0.7 في المئة في منطقة اليورو.
(الأخبار)


خشية على اليورو

الأرقام السيّئة المسجّلة في منطقة اليورو تطرح تساؤلات بشأن التدابير التي سيتخذها المصرف المركزي في اجتماعه الشهر المقبل، وتحديداً خفض سعر الفائدة، وهذا الأمر يزيد الضغوط على اليورو الذي سينخفض سعر صرفه وفقاً لتوقّعات المحلّلين، مع خشية المستثمرين من عملة ستنخفض الفائدة عليها. وفي التعاملات في لندن أمس، تراجع سعر صرف العملة الأوروبيّة الموحّدة أمام اليورو إلى 1.28. وتجدر الإشارة إلى أنّ سعر اليورو أمام الدولار تراجع تراجعاً دراميتيكياً من أكثر من 1.62 في الصيف الماضي إلى مستوى يقارب 1.2.