لا يمكن ترك أمّتنا تعاني في ركود غير محدّد النهاية». هذه إحدى العبارات التي تضمّنها الخطاب الأوّل للرئيس الأميركي باراك أوباما أمام الكونغرس. فالمعاناة منتشرة في كل قطاعات الاقتصاد و«الحلم الأميركي»، الذي تحوّل منذ سنوات إلى كابوس، يحتاج إلى رؤية فعّالة لكي يتجدّد. ولهذا لا بدّ من نقطة انطلاق جديدة: فحص فاعليّة للمصارف الكبرى!
حسن شقراني
قد لا يكون معدّل البطالة في الولايات المتّحدة، البالغ 7.6 في المئة، مساوياً للمستويات العالية التي سجّلت في خضمّ الكساد العظيم أو بعيد أزمة الادخار والقروض في النصف الثاني من ثمانينيّات القرن الماضي (أكثر من 10 في المئة، و25 في المئة في عام 1933!). غير أنّ معظم التقديرات يفيد بأنّ هذا المعدّل سيقارب الـ9 في المئة بنهاية العام الجاري. والسبب بسيط: تداعيات الأزمة الماليّة على الاقتصاد ستظهر صارخة في عام 2009، على أن يبدأ التعافي في عام 2010، وحينها ستبدأ المفاعيل الأوليّة لخطّة إدارة باراك أوباما التي تبلغ قيمتها 787 مليار دولار.
هذا التعافي (يلحقه النهوض) الذي شدّد عليه أوباما في خطابه أمام الكونغرس صباح اليوم (بتوقيت بيروت)، يفترض حتميّة إجراءات تمسّ الشقّ الاقتصادي من خلال رفع الإنفاق العام عبر مشاريع البنى التحتيّة وتطوير المؤسّسات المترهّلة في الولايات المتّحدة. وإجراءات أخرى تتعلّق بالمسألة الماليّة ـــــ الاقتصاديّة، أي إنعاش القطاع المصرفي عبر «تنظيف» محافظه الملوّثة جرّاء المنتجات الماليّة المثيرة للجدل، وخصوصاً تلك المتعلّقة بالرهون العقاريّة، إضافة إلى دعم رساميل البنوك. وتلك الإجراءت ستؤمّن «وسادات ماليّة» لكي ترفع المصارف سقف الإقراض وتوسّع هوامش أعمالها.
هذه العمليّة الأخيرة حيويّة للاقتصاد الذي يعتمد بثلثيه على النشاط الاستهلاكي. ولكن أضحت معقّدة بعدما تبيّن أن إعادة نهج المصارف إلى المناحي الإيجابيّة هي إجراء معقّد ويتطلّب الكثير من الدراسة. ولهذا تحوّلت خطّة الإنقاذ المالي (قيمتها الأساسيّة 700 مليار دولار) لتتخذ أشكالاً مختلفة، وتلوّح بالتأميم الجزئي في نسختها الأخيرة. وشراء حصص في المصارف (دعم رساميلها) يتطلّب «فحوصات فاعليّة» يضمن أن تلك المؤسّسات الماليّة العملاقة التي حصلت على دعم مباشر من الحكومة الأميركيّة ضمن خطّة الإنقاذ وبينها «Citigroup» و«Bank of America»، قادرة على تحمّل تداعيات مراحل أكثر صعوبة من الركود القائم، وتمتلك الأدوات اللازمة وتتبنّى السياسات الأساسيّة لدعم الإقراض.
«الفحوصات» بدأت أمس، وستؤمّن للسلطات المعنيّة (النقديّة والماليّة والاقتصاديّة مجتمعةً) معلومات كافية لتحديد ما إذا كانت المصارف تحتاج إلى أموال إضافيّة. فالأموال قد رُصدت، وهي موزّعة بين خطّة دعم مالي طرحها الاحتياطي الفدرالي، وقيمتها مليار دولار، والخطّة المعدّلة التي طرحها وزير الخزانة تيموثي غايثنر وقد تصل قيمتها إلى مليار دولار أيضاً.
ولكن عمليّة التوزيع حسّاسة، والرقابة ضروريّة. فمثلما حدّد أوباما لجنة للرقابة على تنفيذ خطّة الـ787 مليار دولار، تبرز أهميّة رقابة أكبر على عمل المصارف (حيث بدأت المشاكل أساساً) لتحديد التناسب أو التفاوت بين حجم الدعم (زيادة الرساميل) وحجم المردود (ارتفاع حركة القروض).
وفي هذه المرحلة، أيّ خطوة تعدّ حاسمة على صعيد القرارات الإداريّة. لأنّ الاقتصاد (الأوضاع الاجتماعيّة على حدّ سواء) بالكاد يستطيع احتمال خسارة الـ3.6 ملايين وظيفة التي فقدت منذ بدء الأزمة وتريليونات الدولارات التي تبخّرت بفعل الجنون في البورصة والقلق الذي يسيطر على المستثمرين، وخصوصاً أنّ للإدارة الديموقراطيّة الحاليّة طموحات أخرى متعلّقة بالطاقة البديلة والتخلّي عن النفط الخارجي، وهو ما تطرّق إليه أوباما في خطابه، حين قال للشيوخ والنوّاب: «تعرفون أنّ البلد الذي يطوّر الطاقة النظيفة والقابلة للتجدّد هو الذي سيقود (العالم) في القرن الـ21... ورغم ذلك، كانت الصين هي التي أطلقت الجهود الأكبر تاريخياً لجعل اقتصادها موفّراً للطاقة».
وإذا كانت حسابات فريق أوباما الاقتصادي صحيحة، واستجاب الاقتصاد لخطّة التحفيز، فإنّ القطاع الأساسي الذي سيولّد الثورة لخلق الوظائف وإنقاذ الاقتصاد، سيكون قطاع الطاقة البديلة. وعلى الرغم من أنّ «حلم التخلّي عن نفط العالم» قد يبدو خيالياً (على الأقلّ في المدى المتوسّط) بالنسبة للعديد من منتقدي الرئيس الديموقراطي، إلا أنّ هذه المسألة ضروريّة، ولكنّها غير ممكنة إلا إذا عادت إحداثيّات الاقتصاد إلى «الأراضي الآمنة» (بحسب التعبير الأميركي)، واستعاد النظام المصرفي عافيته.
لذا من الضروري أن تنجح المصارف في «فحصها»، وتتحوّل الحكومة لاعباً فاعلاً في أعمالها رغم أنّ «عمليّة تأميم المصارف غير ضروريّة (بالمعنى الرسمي)، ولذلك لا داعي لإثارة البلبلات القانونيّة» على حدّ تعبير رئيس الاحتياطي الفدرالي بن برنانكي.


مبيعات المنازل

تراجعت مبيعات المنازل مجدّداً في الولايات المتّحدة في كانون الثاني الماضي، وهذه المرّة بنسبة 5.3 في المئة، فيما انتظر المستثمرون النتائج الأوّليّة لخطّة التحفيز الاقتصادي. وكان معظم المراقبين يتوقّعون ارتفاعاً للشهر الثاني على التوالي، بعدما شهد كانون الأوّل الماضي انتعاش المبيعات، بصورة غير متوقّعة. وعلى أساس سنوي، فإنّ المبيعات خلال الشهر الماضي تكون قد انخفضت بنسبة 8.6 في المئة. وتجدر الإشارة إلى أنّ أزمة الائتمان العالميّة انطلقت من رحم فقاعة العقارات الأميركيّة، حيث تضخّمت القروض غير الصحيّة.