Strong>في أوروبا الشرقيّة يتنامى القلق من حجم تداعيات الأزمة الاقتصاديّة العالميّة. فالبلدان الموجودة في هذه المنطقة، التي ذاقت الأمرّين بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ترزح تحت مستحقّات خارجيّة متعلّقة بتمويل النموّ، ما يستدعى «إنقاذاً» بقيمة 31 مليار دولار، فيما حاكمتها السابقة، موسكو، تنتظر «الأسوأ» من الأزمة الماليّةكشفت مجموعة من البنوك الاستثماريّة الدوليّة العملاقة، مؤلّفة من البنك الدولي وبنك الاستثمار الأوروبي والبنك الأوروبي للتنمية وإعادة الإعمار (EBRD)، عن رزمة إنقاذ اقتصادي قيمتها 24.5 مليار يورو (31 مليار دولار) لمساعدة الأنظمة المصرفيّة في البلدان الواقعة في وسط أوروبا وشرق القارّة العجوز، على احتواء تداعيات الأزمة الماليّة العالميّة.
ووفقاً لما نقلته صحيفة «Financial Times» فإنّ هذه المؤسّسات الدوليّة الثلاث تريد تشجيع المجموعات المصرفيّة الدوليّة التي تسيطر على القطاع المصرفي في البلدان المعنيّة، على دعم فروعها هناك، كما تريد أيضاً إقناع الدول الأوروبيّة الغربيّة، بعدم تنحية الهواجس الخارجيّة في عمليّة تحديد المساعدات للقطاع المالي من خلال رزم الإنقاذ.
ويأتي هذا التطوّر غداة إعلان «EBRD» عن خسارة بلغت 602 مليون يورو بسبب استثماره في أوراق ماليّة مسمّمة في خضمّ الأزمة الماليّة العالميّة وانهيار البورصات، ولكن بحسب رئيسه توماس ميرو، فإنّ المصرف الأوروبي ملتزم بمساعدة البلدان الأوروبيّة الشرقيّة. فتلك البلدان تواجه استحقاقات ماليّة واقتصاديّة ضخمة، وهناك فوائد كبيرة يجب أن تسدّدها في أوقات حرجة، حيث لا تزال الأزمة تسيطر على سوق الائتمان. ومن بين تلك البلدان، أوكرانيا التي «تعاني» للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، ودول البلطيق وهنغاريا.
والمبلغ المرصود سيموّل الأسهم والديون وسيؤمّن خطوط ائتمان، وفقاً لبيان أصدرته البنوك الثلاثة. وسيقدّم «EBRD» 6 مليارات يورو منه، فيما يشارك مصرف الاستثمار الأوروبي (EIB) بـ11 مليار يورو، ويساهم البنك الدولي بـ5.5 مليارات يورو، عبارة عن قروض للمصارف ومشاريع البنى التحتيّة والقطاع المالي، إضافة إلى ملياري دولار عبارة عن تأمين لمخاطر التطوّرات السياسيّة.
ونقلت التقارير الإعلاميّة عن رئيس البنك الدولي، روبرت زوليك، قوله: «إنّ هذا الوقت يمثّل فرصة لأوروبا من أجل الاتحاد لضمان أن الإنجازات التي حقّقت خلال العشرين عاماً الماضية لن تتبخّر بسبب أزمة اقتصاديّة تتحوّل إلى أزمة إنسانيّة». فيما يرى رئيس مصرف الاستثمار الأوروبي، فيليب مايسدات، أنّ خطّة الدعم المالي التي تمتدّ عامين، ستؤمّن المساعدة المطلوبة والحسّاسة للمنطقة «فهذا العمل المشترك سيسرّع عمليّة إيصال التمويل الحيوي من خلال المصارف لدعم الجوانب الحقيقيّة من اقتصادات البلدان التي تأذّت كثيراً من الأزمة في وسط وشرق وجنوب أوروبا. وذلك الدعم يجب أن يتركّز لمصلحة الأعمال الصغيرة في هذه الأوقات الصعبة».
وفيما تشمل رزمة الإنقاذ المالي تركيا، إلا أنّها تستثني روسيا حيث تعهّدت الحكومة، التي تعتمد في إيراداتها على عائدات النفط، بتأمين السيولة الكافية للقطاع المصرفي من أجل مواجهة الأزمة. ولكن يبدو أنّ موسكو تحتاج أيضاً إلى مساعدة. فبعد فترة من إنكار التعرّض للأزمة وإلقاء اللوم على «النظام الأميركي»، تنبّهت الدول الشيوعيّة السابقة إلى مخاطر الأزمة على اقتصادها وعلى أمنها الاجتماعي.
وفي آخر التعليقات الرسميّة على الأفق المرتقب، قال رئيس الوزراء الروسي، فلاديمير بوتين، «نحن مجبرون على استنتاج أنّ الأزمة لم تنته بعد، ولم تصل بعد إلى قمّتها. ما يعني أنّ الأوضاع المسيطرة على الأعمال حالياً ستستمرّ لفترة ليست قصيرة». وحذّر، بحسب تقرير وكالة «أسوشييتد برس»، من أنّ العام الجاري بالنسبة لروسيا سيكون «صعباً لكن ليس كارثياً. سنحتوي مشاكلنا وسنبقي الأوضاع تحت السيطرة».
وجاءت تصريحات بوتين التلفزونيّة بعد تحذير المستشار الاقتصادي للكرملين، أركادي دفوركوفيتش، من أنّ معدّل التضخّم في البلد الأوروبي الشرقي قد يصل إلى 15 في المئة خلال العام الجاري. وهذه التوقّعات تعيد إلى الروس، وخصوصاً ذوي المداخيل المتوسّطة بينهم، ذكريات الأزمة التي عصفت باقتصادهم بعيد انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1990، وتلك التي عُرفت بـ«أزمة الروبل» في عام 1998.
لذا تحتاج روسيا إلى جهود كبرى على الصعيدين الاقتصادي والمالي، كتلك التي تحصل عليها البلدان التي تدور في فلكها، من المؤسّسات الدوليّة. حيث تفرض الأزمة الحاليّة، بحسب ميرو، «تنسيقاً» في الاستجابة للتحدّيات، كتلك التي حدّدها الغرب في عام 1991، حين تقرّر مساعدة البلدان المعنيّة في عمليّة الانتقال إلى اقتصاد السوق الحرّة. ربّما العديد من تلك البلدان المأزومة يتمنّى ألا يكون ذلك التحوّل قد حصل!
(الأخبار)


السؤال الكلّي

معظم الأموال المرصودة لمساعدة اقتصادات أوروبا الشرقيّة تتأتى من أرصدة موجودة، وتأمل البنوك الثلاثة التي تؤمّنها أنّه من خلال زيادة أنشطتها والتركيز على القطاع المصرفي، فإنّها ستؤمّن الدعم إلى المفاصل التي تحتاج إليه أكثر، كما ستشجّع المصارف التجاريّة والاستثماريّة الأخرى على التعاون. وفي هذا السياق تنقل «Financial Times» عن مدير «EBRD»، توماس ميرو، قوله: «طبعاً ليس هذا الجواب الكلّي للسؤال الكلّي. غير أنّنا نعتقد أنّه بحسب معايير التمويل، فإنّ (الإجراءات) ستكون بنّاءة لدرجة يقتنع عندها الآخرون».