باريس ــ بسّام الطيارةلعل الحرب الطاحنة التي تشنها إسرائيل على حركة «حماس» في قطاع غزة هي أسوأ هدية يمكن أن تقدّمها تل أبيب للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في أعياد نهاية السنة، التي تُصادف نهاية رئاسة فرنسا للاتحاد الأوروبي، أي نهاية ما سمّاه مؤيّدو ساكن الإليزيه «الأشهر الستة الذهبية»، قبل أن تصل رائحة القتل إلى باريس لتمحو النقاط التي سجّلها ساركوزي على ساحة الدبلوماسية الأوروبية.
وتعيش أوساط مقرّبة من الإليزيه مرارة «نكران الجميل الإسرائيلي». إذ إن الحرب جاءت بعد أقل من أسبوعين على «ترفيع العلاقات مع الدولة العبرية»، لتكون ما يشبه «الدش البارد» الذي فاجأ باريس مع رفض إسرائيل لأي هدنة حتى ولو كانت لـ٤٨ ساعة، كما طالب وزير الخارجية برنار كوشنير. وكان دبلوماسي عربي في باريس قد وصف مقترحات الوزير الفرنسي بأنّها «أطباق عتيقة يعيد تسخينها»، في إشارة إلى حديثه عن «هدنة إنسانية».
وأكدت مصادر فرنسية مطّلعة، لـ«الأخبار»، أن تل أبيب «تدرس جدّياً المقترحات الأوروبية وسبل إيصال المساعدات الإنسانية»، وهو ما يفسّر بلغة دبلوماسية رفض المقترحات الفرنسية.
وأشار مراقبون إلى أن نقطتين استفزّتا الإسرائيليين، الأولى تشابه التعابير التي وردت في التعليقات التي سُرّبت عقب اجتماع الوزراء الأوروبيين مع التعابير التي كانت «مستعملة خلال الفترة الأخيرة من حرب تموز في لبنان». أما الثانية فكانت «تقديم هدية لحماس» بالحديث عن فتح المعابر. إذ يشير هؤلاء المراقبون إلى أن الإسرائيليين، كما هي حال الأوروبيين، يدركون بما لا لبس فيه «أن عدم تجديد الهدنة سببه الأول عدم رفع الحصار، كما كان متفقاً عليه مع المصريين».
ويلتفت الجميع إلى لقاء اليوم بين ساركوزي ووزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني، في إشارة إلى أن «التواصل سارٍ مع كل الأفرقاء الإسرائيليين الذين يستعدون لانتخابات نيابية». وذكرت مصادر أن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك «هو الذي فتح نافذة الـ٤٨ ساعة» بقوله إنه «يدرسها بإيجابية».
ويتفق الجميع على أن القوى التي تشارك في الحكومة والقرارات الحربية، والتي تتنافس أيضاً في الانتخابات، «تربط تصرفها بما يمكن أن يجنيه الزعيم اليميني بنيامين نتنياهو»، وهو ما يفسّر شراسة الهجمة، وعدم الالتفات إلى «بادرة أوروبا ترفيع العلاقات» التي قدّمتها فرنسا لإسرائيل.
وعلى الرئيس الفرنسي أن يواجه، خلال زيارته يوم الاثنين إلى إسرائيل وهو في طريقه إلى لبنان لزيارة اليونيفيل، إضافة إلى التناقض بين «مصالح القوى السياسية الحاكمة في تل أبيب»، تناقض وجهات النظر بين الأفرقاء الأوروبيين أيضاً، وهو ما ظهر جلياً من خلال المعلومات التي تسرّبت من اجتماع الوزراء في الكي دورسيه، أول من أمس، الذي أصدر بياناً وصفه البعض بأنه يحمل معالم المواقف المتباعدة بين القوى الأوروبية «التي تنظر صوب واشنطن»، مثل بريطانيا وألمانيا وتشيكيا التي ترى أن «حماس» «تنال ما تستحقه» وترمي اللوم كاملاً عليها، والدول الإسكندنافية التي ترى أن إسرائيل «بشدّها الخناق على قطاع غزة» تدفع نحو التفجير. فقط «الدول اللاتينية الكبرى» مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا حاولت، حسب أحد المصادر، المحافظة على موقف متوازن.
يضاف إلى هذا أن ساركوزي لن يكون متكلّماً باسم الاتحاد الأوروبي، إذ إن تشيكيا لها مواقف مقرّبة جداً من إسرائيل لدرجة يصفها البعض بأنها «مواقف متطرفة بوشية»، نسبة إلى الرئيس الأميركي المنتهية ولايته.
لذا فإنه، حسب المراقبين، «ليس هناك أي سبب يدفع إسرائيل للاستماع إلى نصائحه» أو القبول بطروحاته بـ«إرسال بعثة المراقبة الأوروبية إلى معبر رفح» والحديث عن «إعادة فتح المرافق» وتوسيع المساعدة الأوروبية.
ويفسر هذا محاولات باريس تلطيف «مقاربتها من تل أبيب» للإعداد لما يمكن أن يطرحه ساركوزي، ومنها ما صدر في باريس خلال الأربع وعشرين ساعة الأخيرة من محاولة لـ«تخفيف فظاعة ما يحدث في غزة». إلا أن أكثر ما يتخوّف منه المقرّبون من الإليزيه هو أن تكون تل أبيب قد بدأت تنظر نحو «تشيكيا حليفة واشنطن بانتظار عودة واشنطن إلى الساحة»، وأن تدوم معركة غزة أياماً مما يمكن أن ينعكس سلباً على عدد من ملفات ساركوزي المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط، ومنها الاتحاد من أجل المتوسط ودعم المفاوضات بين سوريا وإسرائيل.