بدت غزة، كبرى مدن القطاع التي لقيت النصيب الأكبر من الغارات الجوّية، مختلفة. شوارعها كئيبة. انتشرت في أزقتها وأحيائها بيوت عزاء تشكو قلّة المعزّين. فالقليل أمّوا هذه البيوت لتقديم واجب العزاء على وقع الغارات الجوية
غزة ــ الأخبار
استغلّ سكان قطاع غزّة انخفاض وتيرة الغارات الجوية الإسرائيلية، وخرجوا من منازلهم في مهمات خاطفة للتزود بالمواد الأساسية. بعد خمسة أيام من منع التجول «الطوعي»، تحوّلت فيها مدينة غزة إلى «مدينة أشباح» بثت فيها طائرات الاحتلال الموت والرعب في كل مكان.
خمسة أيام من العدوان والغارات الجوية في غزة، أعادتها عقدين إلى الوراء. معالمها اختلفت مع زوال مبانٍ شاهقة بأكملها، تناثر ركامها في الشوارع فأغلقتها أمام حركة السيارات المحدودة.
لا كهرباء ولا ماء منذ بدء العدوان. واتصالات السكان ومناشداتهم لشركة توزيع الكهرباء عبر الإذاعات المحلية بإصلاح الأضرار التي أصابت المحولات والخطوط لم تجد آذاناً صاغية. فالخطر يمنع الطواقم الفنية ويحول دون التحرك بحرية. والشركة تشكو نفاد المحولات وأسلاك الكهرباء.
اتصل أبو فراس بصديقه، أبو إسلام، يشجعه على الخروج معه بحثاً عن خبز ووقود لمولد صغير يزودهما الكهرباء لساعات محدودة يومياً، وبعض «المسليات» تساعد على تهدئة أطفالهما وتبث الطمأنينة في نفوسهم.
لم يتردد أبو إسلام في مرافقة صديقه. استقلا السيارة وانطلقا مسرعين من البرج السكني الذي يقطنان فيه مقابل شاطئ بحر غزة. وهي المنطقة التي شهدت أعنف الغارات الجوية.
كانت الطريق أمامهما طويلة. خالية من المارة وحركة السيارات. والزوارق الحربية على مقربة من الشاطئ. قال أبو فراس محدثاً صديقه: «الوضع خطر ويجب أن ننجز المهمة بسرعة».
عاد الصديقان سالمين بعد نحو ساعة، لم ينجزا خلالها المهمة. محطات الوقود كانت مغلقة، ولا خبز في المخابز، وقليل من المحالّ التجارية التي فتحت أبوابها يشكو نفاد المواد الأساسية، إلا أنواعاً قليلة من البضائع المصرية الباهظة الأسعار.
خسر أبو فراس بعضاً من المواد المجمدة التي كان يحتفظ بها في ثلاجته، بسبب تلفها جراء انقطاع التيار الكهربائي. ووزع جزءاً مما بقي من هذه المواد على جيرانه للاستفادة منها قبل تلفها.
ويشكو أبو فراس حال الخوف الشديدة التي تنتاب ابنه الوحيد فراس (13 عاماً)، وابنته منال (15 عاماً) خلال ساعات الليل. وقال: «منذ بدء الغارات الجوية على غزة ننام جميعاً في غرفة واحدة. ابني وابنتي لا ينامان سوى ساعات قليلة ومتقطعة. ولاحظت عليهما كثرة الحديث عن الطائرات والغارات وهما نائمان. يبدو أن الوضع المتدهور سيطر على عقلهما مستيقظين ونياماً».
وعانى فلسطينيون البرد والأمطار. واضطر مصطفى وأسرته إلى النزول «ضيوفاً» في شقة جاره، بعدما حطمت غارة جوية إسرائيلية النوافذ الزجاجية لشقته السكنية في حي تل الهوا في مدينة غزة.
استعان بقطع من «النايلون» لسد النوافذ التي حطمت زجاجها غارة جوية استهدفت برج بيت الأسير القريب منه يوم السبت الماضي. لكن هذه القطع البلاستيكية الخفيفة لم تقوَ على مقاومة الرياح الشديدة، والأحوال الجوية الماطرة في غزة، فلجأ مصطفى وأسرته إلى شقة جاره المجاورة وتقاسم معه غرفها الثلاث.
وتؤدي قوة الانفجارات الناجمة عن الغارات الجوية إلى تحطيم النوافذ الزجاجية لمئات الشقق السكنية. وفشلت محاولات السكان في البحث عن زجاج منعت قوات الاحتلال دخوله إلى غزة منذ حصارها في منتصف حزيران 2007.
وفشلت محاولات مصطفى في إيجاد سيارة أجرة تقله وأسرته إلى حيث عائلته في مدينة رفح. الخوف الشديد منع السيارات من التحرك على طريق صلاح الدين الواصلة بين شمال القطاع وجنوبه. وقال: «كثير من السائقين رفضوا أضعاف الأجرة لإيصالنا إلى مدينة رفح. الكل خائف، ويفضل المكوث إلى جوار أسرته وأبنائه».
أما عائلة أبو جهل التي دمرت غارة إسرائيلية منزلها فلا تجد حتى خيمة لتؤويها، وتقول هبة (26 عاماً): «لا أجد حتى خيمة لإيواء عائلتي (المكونة من 6 أفراد)، أينما تذهب، فأنت معرض للموت».
وأصيبت عشرات المنازل بدمار كلي أو جزئي نتيجة قصف محيط مقارّ ومؤسسات تعرضت للغارات الجوية الإسرائيلية، ما دفع أصحاب هذه المنازل إلى مغادرتها.
وقال المسؤول في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، حمدي شقورة: «الوضع في غاية الخطورة، هناك تهجير قسري لمئات من المواطنين». وأضاف: «مئات الأسر الفلسطينية المحيطة بالمقارّ المهدّدة بالقصف أخلت منازلها، ولا سيما أن إسرائيل أبلغت الناس في رسائل عبر الهواتف النقالة ضرورة إخلاء منازلهم وعدم الإقامة في المناطق المهددة».
السكان اضطروا إلى الهرب لأنهم غير قادرين على تحمل صقيع الشتاء بعد تحطيم آلاف من نوافذ المنازل وواجهاتها وعدم توافر زجاج لإصلاحها. أما من لم تتحطم نوافذهم فيبقونها مفتوحة رغم البرد القارس، خشية تحطمها جراء القصف وإصابتهم بشظاياها.