Strong>وفد وزاري إلى مجلس الأمن طلباً لقرار يوقف النار وينشر مراقبين دوليّينكما كان متوقعاً، لم يخرج وزراء الخارجية العرب بعد اجتماعهم في القاهرة، أمس، إلا بمزيد من الخلافات التي أطاحت الدعوة إلى عقد قمّة عربية طارئة، واستُعيض عنها بالتوجه إلى مجلس الأمن الدولي، بعدما اصطفّوا خلف مصر، رافضين الهجوم عليها، ومؤيّدين موقفها من إبقاء معبر رفح مغلقاً

القاهرة ــ الأخبار
بعد اجتماع مغلق استمر حتى ساعة متأخرة من مساء أمس، وشهد انقسامات تقليدية في مواقف الدول العربية حيال العدوان الإسرائيلي على غزّة وتجاذبات سياسية بين محور ليبيا وسوريا من جهة، وكلّ من السلطة الفلسطينية والسعودية ومصر من جهة أخرى، ووساطات قطرية وجزائرية للتهدئة، قرر وزراء الخارجية العرب إعطاء التعليمات إلى المجموعة العربية في الأمم المتحدة، وخصوصاً المندوب الليبي لدى مجلس الأمن الدولي، للدعوة العاجلة إلى عقد اجتماع للمجلس على المستوى الوزاري لبحث الموقف في غزة.
وجاء في البيان الختامي لاجتماع وزراء الخارجية العرب أنهم قرروا «التقدم بطلب فوري لعقد اجتماع لمجلس الأمن ومطالبته باستصدار قرار ملزم لحمل إسرائيل على الوقف الفوري للعدوان ورفع حصارها وفتح المعابر (بين إسرائيل والقطاع) وضمان تنفيذ هذه الالتزامات»، وبينها نشر مراقبين دوليين للالتزام بوقف إطلاق النار.
وقرر الوزراء العرب، وفق القرار، تأليف لجنة وزارية عربية للتوجه إلى مجلس الأمن لتنفيذ هذا التحرك برئاسة وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى وعضوية وزراء خارجية الأردن وسوريا وفلسطين وقطر وليبيا والمغرب. وكان لافتاً اصطفاف الوزراء في بيانهم خلف مصر التي «ثمّنوا دورها بدعم القضية الفلسطينية». ورفض البيان «أي تطاول على دور مصر»، معربين عن الثقة «باستمرار هذا الدور لمصلحة الأمة العربية».
وأيّد الوزراء موقف مصر في ما يتعلق بمعبر رفح، وذلك بعد مناقشات ساخنة شهدتها الجلسة المسائية بين القاهرة ودمشق، أكد خلالها وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط أن هذا الموضوع «خط أحمر»، وفق ما نقل دبلوماسيون عرب لوكالة «فرانس برس».
فقد أكد القرار «ترحيب» الوزراء «بقيام مصر بفتح معبر رفح للأغراض الإنسانية وباستعدادها لبذل الجهد والعمل مع الأطراف المعنية على اتخاذ الخطوات اللازمة بما يسمح بفتح معبر رفح بشكل مستمر وفقاًَ لترتيبات اتفاقية عام 2005»، وهي الاتفاقية التي تقضي بنشر مراقبين أوروبيين وعناصر أمن تابعين للسلطة الفلسطينية على معبر رفح.
وطالب الوزراء العرب «جميع الفصائل والتنظيمات الفلسطينية بالبدء فوراً في العمل الجاد من أجل استعادة الوحدة الفلسطينية والانخراط المباشر في جهود تحقيق المصالحة التي تقودها مصر».
وفي ما يتعلق بالدعوة إلى قمّة عربية، فقد أرجأ الوزراء اتخاذ هذا القرار إلى ما بعد استنفاد الجهود في مجلس الأمن، إذ رحب القرار «بالدعوة إلى قمة عربية وقرّر تهيئة الظروف لانعقادها في ضوء الجهود التي تقوم بها الجامعة في مجلس الأمن».
ورداً على سؤال عن عدم سحب المبادرة العربية للسلام من التداول، استغرب الفيصل، في مؤتمر صحافي مع موسى، هذا الطلب، معتبراً أنه يأتي «خدمة لمصلحة إسرائيل»، التي تريد إلغاء هذه المبادرة.
وفور انتهاء الاجتماع الوزاري، أعلن في الأمم المتحدة عن عقد جلسة تشاورية لمجلس الأمن، فجر اليوم، لبحث مشروع القرار المقدّم من الدول العربية، الذي قال الفيصل إنه يحظى بدعم الدول الأعضاء في المجلس.
واصطدمت رغبة قطر وليبيا وسوريا في عقد قمة عربية فورية في العاصمة القطرية الدوحة بتحفظات مصرية وسعودية، مفادها أن «لا طائل من عقد القمة في ظل الخلافات العربية الراهنة، ولتفويت الفرصة أمام توسيع حدة هذه الخلافات».
وناقش الوزراء العرب اقتراحين من قطر وسوريا بعقد هذه القمة، التي وافقت عشر دول عربية فقط عليها، فيما ينص الميثاق الخاص بآلية انعقاد القمة على ضرورة توافر النصاب القانوني، أي تأييد 14 دولة حداً أدنى للدعوة إلى القمة الطارئة.
وجدّد وزير الخارجية السوري وليد المعلم، من دون جدوى، الدعوة إلى اتخاذ موقف عربي من العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني وتداعياته الخطيرة ورفع الحصار وفتح كل المعابر إلى قطاع غزة المحاصر.
وكان واضحاً الامتعاض من تصريحات وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم آل ثاني، الذي أكد أنه «كمواطن عربي غير راضٍ عن النتائج، ولكن هذا ما استطعنا التوصّل إليه».
وكان لافتاً أنّ المجموعة التي تضم وزراء اتحاد المغرب العربي قد انقسمت أيضاً على نفسها، رغم الاجتماع الاستباقي الذي عقدته أول من أمس في العاصمة الليبية طرابلس، قبل الحضور إلى القاهرة، حيث بدا أن الخلافات التي اندلعت في اجتماع طرابلس بين وزيري خارجية الجزائر وموريتانيا قد هيمنت أيضاً على اجتماع القاهرة. وتعترض الجزائر على دعوة موريتانيا لحضور الاجتماعات المغاربية والعربية بدعوى أن الحكومة الحالية هي حكومة انقلاب غير شرعية ولم تحظ بأي تأييد عربي أو اقليمي أو دولي.
وكان الأمين العام للجامعة العربية قد أعلن في افتتاح الاجتماع الوزاري العربي أن «الجيش الإسرائيلي إذا جوبه بجيوش عربية قوية أو مقاومة جدية فمصيره التراجع والهزيمة»، مضيفاً أن «الخوف من حرب جدية والبحث عن ضحية سهلة بضرب المدنيين في غزة هو الذي دفع إسرائيل إلى مهاجمة القطاع، لا أياً من الجبهات المحتملة الأخرى».
وأشار موسى إلى «تزايد حدة الخلافات العربية العربية بشكل غير مقبول»، معتبراً أن «الدور المطلوب يجب أن ينطلق من رصّ الصفوف وليس المطلوب مزيداً من الفرقة». وشدد على أنه «آن الأوان لنقلع عن اتهامات الخيانة التي أدت في السابق إلى خلافات ونزاعات ما زلنا نعاني من آثارها، فنحن جميعاً ركاب زورق فيه من الثقوب ما يكفي لإغراقه».
وانتقد موسى بطريقة مبطّنة حركة المقاومة الإسلامية (حماس). وقال إن «المقاومة حق ثابت ومشروع، ولكنها تبقى مسؤولة أمام شعوبها بقدر ما تحققه من مكاسب أو خسائر لقضاياها»، مضيفاً أن «الحكمة مطلوبة والانتحار الفردي أو الجماعي محرم وجريمة، ولا يكلّف الله نفساً إلا وسعها».
ودعا موسى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى «تحرك فوري وقوي من أجل وقف العدوان»، مطالباً إياه بالتوجه إلى مجلس الأمن «وعرض القضية، والتصميم على وقف العدوان على شعب فلسطين أينما كان، وسنكون معك نعمل على تحقيق هدفنا المشترك بوقف هذا العدوان».
من جهته، دعا الفيصل إلى اجتماع مصالحة فلسطيني فوري، مؤكداً أن العرب لن يستطيعوا مدّ يد العون لهم ما لم يتّحدوا، ومحذراً من أن الانقسام سيجلب لإسرائيل انتصاراً وراء انتصار.