بسام القنطارولقد أدّى تصرّف الحركة إلى خلق بلبلة واسعة في القاعة، وتلاسن مع عدد كبير من الحضور، وخصوصاً أن كلمة غندور لم تتضمّن أي عبارات نابية بل الآية القرآنية التي تقول: {الأعراب أشد كفراً ونفاقاً وأجدر ألّا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم}، وخلصت إلى نقد سياسي للرئيس حسني مبارك على خلفية تملّصه من تحمل المسؤولية في فتح معبر رفح.
ورغم تدخل عدد من رجال الدين، وبينهم الشيخ حسن غبريس، أصر الحركة على موقفه الأمر، الذي أوحى «أن ما أقدم عليه ليس رد فعل بقدر ما هو قرار عن سابق إصرار وتصميم» على ما قال لـ«الأخبار» عضو تجمع العلماء المسلمين الشيخ ماهر مزهر. ولقد أدى ذلك إلى تصاعد الجدال، ولا سيّما بعدما كال أحد المشاركين في الصفوف الخلفية سيل شتائم للحركة، واصفاً إياه بأنه «عميل النظام المصري».
وفي غمرة الكرّ والفرّ الكلامي، حسم رئيس معهد المعارف الحكمية الشيخ شفيق جرادي الأمر، فوقف في القاعة وقال: «إن هذا اللقاء لم يعد له مبرر في هذا المكان، وخصوصاً أن ممثل نقابة الصحافة يريد منا أن نقول كلامنا في الشارع. إن هذا الموقف يعبّر عن انحياز واضح وغير مبرر، وهو يحتاج إلى إعادة قراءة أخلاقية. أنا لا يشرّفني أن أكمل هذا اللقاء في هذا المكان». ولقد نالت مداخلة جرادي تصفيقاً حاراً من الحضور ترافق مع انفضاضه من القاعة.
ولاحقا، أصدرت نقابة الصحافة بياناً جاء فيه: «يؤسف نقابة الصحافة أن يكون البعض قد حاول استغلال منبرها الحر للإساءة إلى حرمة هذا المنبر بتوجيهه شتائم، والتهجم على من يخالفه الرأي. وقد حرصت النقابة منذ نشأتها على أن يكون منبرها الحر الأول في لبنان، يجد فيه كل مواطن المجال الأرحب للتعبير عن فكره أو رأيه أو موقفه السياسي، شرط التزام مبدأ احترام الآخرين وعدم الإساءة إلى علاقات لبنان مع أشقائه العرب، والحفاظ على حرمة هذا المنبر ليواصل دوره البنّاء في الحوار الوطني لما فيه خير اللبنانيين وجميع العرب».
وكان اللقاء الذي شارك فيه ممثل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، المدير العام لوزارة الثقافة د.عمر حلبلب، قد بدأ بمداخلة للشاعر طارق آل ناصر باسم اتحاد الكتّاب اللبنانيين، دعا فيها إلى «تأليف جبهة المقاومة الثقافية في لبنان، لتكون حركة يومية ذات أهداف مثمرة، بدلاً من أن نكون مثقفي الانتظار، ننتظر مجزرة لكي نجتمع».
وتلاه المستشار الثقافي الإيراني محمد حسين رئيس زاده، مشيراً إلى أن «العدو الصهيوني استفاد من الانقسام العربي والإسلامي لينفّذ جريمته». ثم ألقى الخوري عبده ابو كسم كلمة المركز الكاثوليكي للإعلام، فقال: «يستحضرني اليوم شهيد كان منذ ألفي سنة، يوم أمر هيرودس الملك بقتل كل أطفال بيت لحم، لأنه خاف من الطفل المخلّص، وها هم قادة اليهود يعيدون التاريخ».
كما ألقى الشيخ عبد الناصر جبري كلمة «تجمع العلماء المسلمين»، وقال: «يحق لغزة أن يتحرك العالم من أجلها، كيف لا، وفيها هاشم ابن عبد مناف جدّ النبي محمد». وطالب «علماء الجزيرة العربية ومشايخ الأزهر الشريف بالتحرك»، وسأل: «أثناء حرب لبنان كنتم تقولون إن من يموتون هم من الشيعة فما هي حجتكم اليوم في غزة؟».
تجدر الإشارة إلى أن صالون النقابة تحوّل بعد انفضاض اللقاء إلى منبر إعلامي لاستنكار ما حدث، وخصوصاً من الجهات التي كانت تستعد لإلقاء كلمات تضامنية داخل القاعة، ومن بين هؤلاء مسؤول لجنة التثقيف السياسي في التيار الوطني الحر، بسام الهاشم، الذي قال لـ«الأخبار» «أحسست بالذهول أمام ما جرى: أن لبنان انتقل من كوكب إلى آخر، نفهم أن يكون لممثل نقيب الصحافة رأيه، ولكن الذهاب إلى منع الآخرين من التعبير عن رأيهم يستحق منا كل الإدانة والشجب». أما الفنّان نعمة بدوي، فقال: «أحياناً يصل غضبنا عما يجري في غزة إلى حد الكفر، وحاشا لله أن نكفر، لكن ممنوع أن تقمع الأفكار».
بدوره قال الشيخ ماهر مزهر «أنا أتابع دائماً اللقاءات في نقابة الصحافة، النقيب يحضر دائماً الأنشطة التي تدعو إليها قوى 14 آذار، ولكنه نادراً ما يحضر لقاءات سياسية تنظّمها قوى المعارضة، واليوم هذا اللقاء هو لقاء ثقافي بعيداً عن أي خلفية سياسية، فلماذا هذا التشنج وهذة الطريقة في التعاطي، لم نشتم أحداً، وليست هذه طريقتنا في التخاطب».
كما استنكر رئيس مركز بيروت الوطن د. زهير الخطيب «التصرف الشاذ والمعيب». ودعا نقيب الصحافة محمد بعلبكي إلى «الاعتذار من الحاج غندور ومن أهل بيروت».
تجدر الإشارة إلى أن كلمة فؤاد الحركة الترحيبية طالبت القادة العرب بالتشبه بـ«خروتشوف الذي خلع حذاءه وضرب به على المنصة في الأمم المتحدة لوقف العدوان على مصر عام 1956». فهل كانت نقابة الصحافة تقصد أن يؤدّي الملك السعودي عبد الله دور منتظر الزيدي مثلاً!