رشا أبو زكيالحادية عشرة من صباح الخميس. استفاق الشباب أمام الإسكوا باكراً بعدما أمضوا ليلة رأس السنة في الاعتصام اليساري المفتوح، يشاهدون نشرة الأخبار، ويشعرون بالعجز المطلق عن مساعدة شعب يباد جماعياً بأحدث أنواع الأسلحة، وينظرون إلى المفرقعات النارية التي تضيء المناطق المحاذية، محتفلةً بعام جديد يولد معمّداً بدماء الغزاويين. جهز الشبان والشابات الأعلام الفلسطينية. ربطوها بحبل. أصبحت الأعلام متراصفة، كالشهداء الذين يتناثرون أشلاءً في شوارع غزة. عيون «مغنية» (كنية أحد الرفاق) الخضراء تلتمع. أما «غربية» فآثار النوم في البرد أمام الإسكوا ظاهرة على شفتيه. «حان وقت الحصار الذي لن يتوقف إلى أن تفتح مصر معبرها أمام الفلسطينين، وأمام المساعدات القادمة» صرخ أحد المشاركين. يتحلّق حوله شبّان وشابات لا يتعدى عددهم العشرة «لتكون العملية مباغتة، ونتفادى أي ارتباك من الممكن أن يحدثه ارتفاع العدد».
سيارتان كانت كافيتين لنقل الرفاق. وبسرعة لفّت الإعلام حول الشريط الشائك مقابل السفارة المصرية لجهة أوتوستراد المدينة الرياضية. توقّف الشبّان والشابّات قليلاً، الأجهزة الأمنية لم تتحرك إلا ببعض الكاميرات التي التقطت الصور للمشاركين.
بعد حوالى نصف ساعة، تقدمت الأجهزة الأمنية نحو السياج. نزعت الأعلام الفلسطينية علماً علماً، على مرأى من جميع المارّة على الأوتوستراد. «هكذا إذن» يقول أحد الشبان، ويضيف «فلننتقل إلى التخاطب الذي يجب أن يصبح أساساً في التعاطي مع الحكام العرب». الليل بدأ يمتزج مع دخان الموقدة المشتعلة في «تنكة» قديمة أمام الاعتصام. الجميع متأهب للذهاب إلى المنازل والحصول على أكبر عدد من الأحذية البالية.
اليوم التالي. الجمعة، التاسعة تماماً، اعتاد الشبان شمساً توقظهم صباحاً لتتحوّل إلى صقيع ليلاً. باشر الرفاق ربط أشرطة الأحذية، على أن تكون «كل فردة شكل». العدد لا يكفي، والحل هو الذهاب إلى «البالات» لشراء أحذية مستعملة بأسعار متدنية. وصلوا إلى إحدى البالات، «هل لديك أحذية لا تباع معك؟»، يسأل أحد الشبان. يرد التاجر: «لا، كلها تباع. لماذا؟».
ومع ذلك، دبّر الشبان أنفسهم. «لقينا الغلّة»! يهتف أحدهم حالما عادوا إلى مركز الاعتصام. اقترح أحدهم أن يربطوا أشرطة الأحذية بعضها ببعض: «على أن تكون كل فردة شكل» يقول أحدهم. انتهت العملية، وحان وقت التوجه نحو السفارة.
وصل الرفاق عند الحادية عشرة صباحاً. نزلوا من السيارتين، وبدأوا بتعليق الأحذية التي لمّوها عن المزابل، بطريقة تجعل من الصعب إزالتها عن السياج. الحركة غير المتوقعة انتزعت تعابير الدهشة من الحرس المولج حراسة السفارة. يتوقف الشبان ليلتقطوا بعض الصور بهواتفهم النقالة، ثم يرحلوا. المهمة انتهت هنا؟ الشبان يفكرون في الخطوة الثالثة التي لن ترتبط بعد الآن بموعد محدّد.


الحصار مقابل الحصار

موقف أعلنته المنظمات الشبابية اليسارية اللبنانية والفلسطينية المشاركة في الاعتصام المفتوح المستمر منذ 7 أيام أمام مبنى الإسكوا. تفتّقت أذهان المجتمعين عن الحصار الرمزي: لف الأعلام الفلسطينية حول سياج الأسلاك الشائكة الذي حاصرت به السفارة المصرية نفسها، لتتّقي غضب شارع لا يفهم، عن حق، كيف تستمر في إغلاق معبر رفح على الغزاويين. ثم تضاف كل يوم أعلام فلسطينية مع استمرار العدوان، ليكتمل مشهد حصار السفارة بأعلام تحصي عدد شهداء غزة.