يصل رئيس الحكومة التركيّة رجب طيب أردوغان، اليوم إلى الرياض، في ختام جولته الشرق أوسطية التي شملت سوريا والأردن وشرم الشيخ، حيث عرض على قادة هذه الدول، وعلى قيادة حركة «حماس»، مبادرة بلاده لوقف المجازر الإسرائيلية بحقّ الشعب الفلسطيني في غزّة.مبادرة على مرحلتين، كشف أردوغان عن خطوطهما العريضة أول من أمس، بعد لقائه الرئيس المصري حسني مبارك: الأولى تقوم على وقف فوري لإطلاق النار ورفع الحصار فوراً عن القطاع «بموجب اتفاق التهدئة الموقع في حزيران الماضي». وإذا نجحت المرحلة الأولى، «يُفتَح حوار فوري بين حركتي حماس وفتح قبل فوات الأوان». وعن تفاصيل هذا الحوار، أعلن أردوغان أن بلاده «مستعدّة لتولّي مسؤولية الوساطة فيها»، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن «حلّ الأزمة في غزة سيحتاج الى وقت».
وفيما اعترف رئيس الوزراء التركي بأنّ ممثّلين عنه التقوا بالفعل بقيادة الحركة الإسلاميّة يوم الأربعاء في دمشق، فإنه لم يكشف عن تفاصيل ردّ «حماس» على مبادرته.
وشدّد أردوغان للرئيس المصري حسني مبارك على استعداد بلاده، التي تحتلّ مقعداً غير دائم لعامين مقبلين في مجلس الأمن الدولي، القيام بكل التنسيق اللازم مع مصر في وضع قضية غزّة على جدول أعمال المجلس، وفقاً لتوصيات وزراء خارجية الدول العربية.
وفي ظلّ التقارير الإعلامية التي تحدّثت عن «عدم رضى» مصري عن المبادرة التركيّة، لم يبرز الموقف الرسمي للقاهرة بوضوح، بما أنّ أي بيان مصري لم يصدر بعد اللقاء، كما أن مبارك لم يشارك في المؤتمر الصحافي الذي ظلّ أردوغان نجمه الوحيد.
وعلى هذا الصعيد، لم ينسَ أردوغان التذكير بأن أنقرة «تقدّر الدور المصري في المنطقة»، محاولاً طمأنة القاهرة إلى أن تحرّك تركيا «يأتي في سياق واجبها الإنساني وعضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي».
وردّاً على سؤال عن مفهوم «الوقف الفوري لإطلاق النار»، أوضح المسؤول التركي أنّ هذا البند يتضمّن التزام «حماس» بوقف إطلاق صواريخها على المستوطنات الإسرائيلية، وهو ما يندرج في إطار تجديد التهدئة التي انتهت في 19 كانون الأول الماضي.
وفي تعبير عن الغضب العام الذي يسود أوساط حزبه على أثر المجازر الصهيونية، أشار أردوغان إلى أنّ «كل النواب الاتراك تقريباً استقالوا من مجموعة الصداقة البرلمانية التركية ــ الإسرائيلية. هذا ولم يعرّج أردوغان على تصريح أحد أبرز نواب حزبه، بولنت غيديكلي، الذي رأى أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، «يستحقّ حذاءين على وجهه»، في إشارة إلى الإهانة التي تعرّض لها الرئيس جورج بوش في بغداد.
وعن إمكان أن تؤثّر مجازر غزّة على العلاقات التركيّة ــ الإسرائيلية، جاء جواب أردوغان ملتبساً: «صحيح أنه لا وجود للعواطف في العلاقات بين الدول، غير أنّ الظلم ممنوع بتاتاً أيضاً. فنحن (الأتراك) لا نستطيع أن نتحمّل أبداً الإجرام، ونحاول حلّ ذلك بالحوار».
ولم يوضح الضيف التركي موقفه من «الرؤية المصرية»، التي أعلن رئيس الدبلوماسية المصرية أحمد أبو الغيط تفاصيلها، والقائمة على وقف فوريّ لإطلاق النار، واستعادة التهدئة، ووضع آلية دولية لمراقبة التزام الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني بهذه النقاط.
ويبدو أنّ موقف أنقرة من المجازر الإسرائيليّة أثار غضب قيادة الدولة العبرية، وخصوصاً أنّ وزير الخارجية التركي، علي باباجان، أعلن في أول أيام العدوان أنّ الحرب الإسرائيليّة من شأنها أن تبطل كل الجهود التي تبذلها أنقرة منذ أيار الماضي، في سياق التوسط في مفاوضات إسرائيلية ــ سورية غير مباشرة.
وأشارت صحيفة «حرييت» إلى أنّ الرئيس الإسرائيلي اتّصل أول من أمس بنظيره التركي عبد الله غول، لينقل إليه تحفّظ بلاده على تصريحات أردوغان الذي وصف الحرب الإسرائيلية بأنها «جريمة عديمة الرحمة بحقّ الإنسانية»، وباباجان الذي أعلن تعليق المفاوضات بين دمشق وتل أبيب.
وشددت الصحيفة على أن بيريز ذكّر غول بضرورة أن يأخذ الموقف التركي بمصالحه ومصالح الطرف الإسرائيلي، وهو ما فسّرته «حرييت» بأنه تلويح بوقف التعاون الذي توفّره تل أبيب في حرب أنقرة على حزب «العمّال الكردستاني».
أكثر من ذلك، فقد استشهدت الصحيفة التركيّة بـ«تهديد» نقله مسؤولون حكوميّون إسرائيليّون عبر صحيفة «جيروزاليم بوست»، مفاده أنّ «على أردوغان أن يعدّل في مواقفه ليستعيد مكانته التي بدأ يخسرها، كرجل جدير بالثقة بالنسبة إلى إسرائيل، ليستمر بدوره وسيطاً إقليمياً».
وردّاً على مواقف أردوغان من المجازر الإسرائيلية، قال المسؤولون الإسرائيليون، لـ«جيروزاليم بوست»: «نحن نعرف الرجل (أردوغان)، ونعرف أنه شخص عاطفي في علاقاته مع الفلسطينيين، لكن في كل الأحوال، هذه ليست طريقة مناسبة ليتحدّث من خلالها الأصدقاء».
(الأخبار)