باريس ــ بسّام الطيارةجاء خطاب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي التقليدي لشعبه، في آخر أيام السنة الماضية، مطابقاً للفكرة التي أخذها عنه المواطنون الفرنسيون وعن رئاسته. إذ تصدّرت «الأنا» هذا الخطاب بما يعاكس كل برتوكولات الخطابة السياسية.
وقبل التذكير بكل «ما فعله خلال السنة»، نبّه ساركوزي الفرنسيين إلى أنّ «عالماً جديداً قد ولد بعد الأزمة المالية»، وأنّ طموحه الأول هو أن «يؤدي دوراً ريادياً في وضع أسسه»، قبل أن يناقض نفسه بالوعد بتكملة «الإصلاحات» في ملفات الصحة والإدارة والقضاء والتربية والتعليم، وهي الملفات التي تستفز منذ أشهر النقابات، وتعد بـ«شتاء حام» في الشوارع الفرنسية، التي تستعدّ في التاسع والعشرين من هذا الشهر لاستقبال تظاهرات، يقول منظّموها إنها ستكون الأضخم منذ سنوات، وخصوصاً أن الرئيس صرّح بأن «الهدف هو العمل على المحافظة على فرص العمل الموجودة حالياً»، بينما ترى شرائح واسعة أن هذه الإصلاحات تقود إلى بطالة متزايدة، وهو ما تعلنه أرقام وزارات ساركوزي نفسها.
المفاجأة الوحيدة في خطاب الرئاسة كانت أيضاً في الشكل الذي يحبه ساركوزي، وهو الإعلان عن «جولة شرق أوسطية» تشمل مصر والأردن وسوريا وإسرائيل والضفة الغربية، في محاولة لأداء دور فرنسي في «أزمة غزة»، بعدما باتت رئاسة الاتحاد الأوروبي في يد تشيكيا، وهو ما دفع السلطات الفرنسية إلى عدم الخوض في تفاصيل الجولة و«ميكانيكية المقاربة» للوصول إلى هدنة، ولو مؤقتة.
وجاء الإعلان عن الجولة «متوافقاً» مع إعلان «رفض إسرائيل لأي نوع من الهدنة»، على الرغم من أن الطلب صادر من ساركوزي «صديق إسرائيل»، الذي كان من أول المدافعين عن «ترفيع العلاقات» بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي. ورداً على سؤال لـ«الأخبار» عن عدم استجابة تل أبيب رغم «هذه الخطوة الإيجابية تجاهها قبل أسبوعين» ورغم التبريرات التي قدمت لها، أجاب الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية إيريك شوفاليه، بأن ترفيع العلاقات كان «أملاً بإمكان الحصول على أدوات مؤثرة»، مضيفاً أنه «كلما كان بحوزتنا أدوات إقناع، كان أمل إقناع الآخر كبيراً»، وشدد على «أن الرفض الإسرائيلي ليس نهائياً، وهو ما يبرر الجولة الرئاسية في المنطقة».
وجواباً على ما قالته وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني من أنه «لا أزمة إنسانية في غزة، وبالتالي لا حاجة إلى هدنة إنسانية»، شدد شوفاليه على أنه رغم دخول «٢٠٠ شاحنة إلى غزة تحمل ٦٥٠٠ طن من المواد الغذائية»، فإن فرنسا تطالب من جهة بالحصول على «حقائق بشأن الوضع على الأرض»، منها ضرورة «تقويم حقيقي للحاجات الإنسانية»، ومن جهة أخرى «وصول هذه المساعدات إلى السكان المدنيين»، لا مجرد إدخالها إلى غزة. كما أكد أن الهدف الأول لدى فرنسا التي تشارك في التحركات الدبلوماسية الكثيفة في الأيام المقبلة في الشرق الأوسط هو التوصل إلى تهدئة لدواع إنسانية في غزة.
وفي إجابة على سؤال لـ«الأخبار» عن سبب شمل سوريا في نطاق الجولة الساركوزية، قال شوفاليه إن «دمشق عاصمة مؤثرة في المنطقة». وأشار إلى أن رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، خالد مشعل، مقيم في دمشق قبل أن يؤكد أنه «لا تواصل مباشر» مع «حماس»، من دون أن ينفي وجود «قنوات اتصال غير مباشرة».
وكانت ليفني قد ذهبت بعيداً عندما أعلنت في باحة قصر الإليزيه، عقب لقائها الرئيس الفرنسي، أن الرئيس ساركوزي «يفهم جيداً الوضع»، مضيفةً أنه يتفهّم طبيعة «الأزمة التي نواجهها معاً»، قبل أن تستطرد قائلةً «نحن نحاول معاً أن نرى ما هي أفضل استراتيجية وأفضل تكتيك للتصدي لها». ورأى مصدر فرنسي مطّلع أن تصريح ليفني ليس إلا للاستهلاك الإعلامي. إذ إن الفرنسيين ليسوا بأي «وارد تصعيدي». ورفض المصدر شمولية الوصف الذي أرادت ليفني إعطاءه عندما قالت «هذه الأزمة ليست مشكلة إسرائيلية فقط، إذ إن إسرائيل في الخط الأمامي، ونحن نهاجم لأننا نمثّل قيم العالم الحر، الذي تنتمي إليه فرنسا». ولم يتردد مصدر في القول إن هذا الوصف هو «بوشي»، فيما لا تتردد الأوساط العربية في باريس في الجزم بأن «تصريحات ليفني أتت لتنسف زيارة ساركوزي قبل بدئها».
ويتفق الجميع هنا على أن ساركوزي «يراهن بقوة تفوق مقدرته على السيطرة على منافذ الحل». ويرى هؤلاء أن إسرائيل أظهرت «عدم تأثّرها بأي ضغوط فرنسية»، حتى وإن أتت من «أقرب شخصية سياسية إليها منذ عقود»، كما يقول دبلوماسي عربي.
إلى ذلك، وصفت مصادر فرنسية الجهود التي تنصبّ لوقف الاقتتال في غزة بأنها ذات ثلاث ركائز: الأولى تقودها الترويكا الأوروبية التي تشمل ثلاثة وزراء خارجية أوروبيين، وهم وزير الدولة التي تسلّمت الرئاسة (تشيكيا)، والدولة التي ستتسلّم الرئاسة المقبلة (السويد)، والدولة التي انتهت رئاستها (فرنسا). أما الركيزة الثانية، فهي «المبادرة الرئاسية الفرنسية»، بينما الركيزة الثالثة هي «ما يدور في نيويورك»، حيث أكدت مصادر فرنسية «عدم إمكان القبول بالطرح العربي لمشروع القرار»، مع الاعتراف بأن «رفع الحصار الإسرائيلي عن غزة هو من النقاط التي تناقش حالياً»، وأن «النقاش لا يقتصر فقط على غزة، بل يشمل الضفة الغربية»، في إشارة إلى طلب السلطات الفلسطينية إرسال مراقبين دوليين إلى الضفة أيضاً.