فاتن الحاجأمام دكانه الصغير في محلة البسطة، يقف مهيب النويري مراقباً تظاهرة الجموع الإسلامية الغاضبة المتجهة نحو الإسكوا. تختلط مشاعر الرجل السبعيني، فيعجز عن حبس دموعه التي تجري متعرّجة فوق تجاعيد وجهه الحزين، ولا يقوى على كفكفتها، أو لا يريد ذلك. تقترب منه متهيّباً حزنه، فيقول لك إنه ما كان ليبكي لو كان بإمكانه الذهاب إلى غزة ليستشهد هناك. لكن يستدرك، وهو يتابع المسيرة التي دعت إليها حماس والجماعة الإسلامية، «البركة بالشباب. الله يوفّقهم وينصرهم على القوم الكافرين».
لم يكن النويري البيروتي الوحيد الذي بكى غزة أمس في الشارع. كان لافتاً أنّ الكثيرين مثله، ومن عمره تحديداً، اصطفّوا على جانبي المسيرة مراقبين، وقد اختنقوا بدموع «تغيّر الحال» بين أمسهم، العروبي الأول في الوطن العربي، ويومهم، الذي خنقهم في زواريب بيروتية صغيرة على هامش مسيرة. وعلى الرصيف الممتد من النويري إلى البسطة التحتا، راحوا يتأملون التظاهرة، بينهم الحاج سليمان الذي أحرجته دموعه وانفعاله، فما كان منه إلا أن قال لنا «خلص روحي هلّق»، واختنق ببقية الجملة. لكنّ صديقاً له يعلّق بانفعال شديد: «عم نبكي على الحكام المتمسكين بالسلطة ومش فارقة معهن لا دين ولا شرف». أما الحاجة لطيفة التي تعيش في تركيا وتحلّ في هذه الأيام ضيفة على أقاربها في بيروت فتقول: «والله احترق قلبنا على هالأطفال اللي عم بينقتلوا من دون رحمة».
في هذه الأثناء، يواصل المتظاهرون الإسلاميون مسيرتهم التي سلكت الطريق الجديدة من جامع الإمام علي باتجاه الكولا والبربير والنويري والبسطة التحتا فالإسكوا. يخترق صوت الشيخ أحمد ياسين الجموع. تقطع صيحات التكبير من حين إلى آخر الشعارات المتنوّعة. يتحمّس الشباب حين ترد أخبار عن أسر جنود إسرائيليين، فيكبّرون مجدداً قبل أن يعودوا إلى هتافاتهم الدينية والجهادية، «قال القائد إسماعيل لن نعترف بإسرائيل، يا ضفتنا الأبية مش ناسيك هنية، للدبابة والمدفع شعب غزة لن يركع، الله الله الله، نحن جنود الحق والله».
يجوب مناصرو الجماعة الإسلامية وحركة حماس، شباباً وشيوخاً ونساءً وأطفالاً، شوارع بيروت المقاومة والجهاد مردّدين: «من بيروت حتى القطاع شعب واحد ما بينباع، من بيروت الأبية لجيش الأقصى تحية، بيروت الحرة بتنادي غزة أهلي وبلادي». هنا يستدرك قائد التظاهرة أهمية الحديث عن الوحدة الإسلامية الجهادية «وحدة وحدة إسلامية لا سنّية ولا شيعية، وحدة وحدة وطنية هيدي هي القضية». تصل التظاهرة إلى ساحة الإسكوا. يعود التكبير. يرتفع صوت مشايخ الجماعة الإسلامية الذين يرددون شعار جماعتهم، وقد وقفوا في الصف الأمامي إلى جانب القياديين في حركة حماس وعلماء الدين الفلسطينيين.
تتوالى الخطابات حتى النهاية، ويخلع الشيخ هيثم الرفاعي عمامته الدينية البيضاء ويستبدلها بقبعة حماس الخضراء، كما قال، ثم يرفع يديه بالدعاء قبل أن يتلو المشاركون صلاة الغائب.