باريس ــ بسّام الطيارةيصل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي اليوم إلى منطقة الشرق الأوسط في «عجالة تذكّر بهرولته في الملف الجورجي»، وفي أذنيه طنين شعارات التظاهرات التي اجتاحت شوارع المدن الفرنسية من جهة، وانتباهه مشدود إلى التصريحات الصادرة عن براغ عاصمة الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي من جهة أخرى.
ففي فرنسا كان لصياح المتظاهرون «صدى تحذيري» من إمكان أن تتحوّل شوارع فرنسا إلى ساحة لـ«ثورة»، إذ لفت انتباه المراقبين شعارت مثل «من غزة إلى سان دوني: مقاومة» أو «من فلسطين إلى مونفيرمي: مقاومة»، وهي ضواح فرنسية شهدت أعمال عنف شديدة إبان ثورة الضواحي. ورغم اختلاف الظروف فإن التخوف من «ربط بين ما يحصل في فلسطين وعنف الضواحي» حاضر في أذهان المتابعين.
وفي كواليس الدبلوماسية الفرنسية كان لتصريح وزير خارجية تشيكيا، كاريل شوارزنبرغ، الذي وصف الهجوم البري الاسرائيلي بأنه «عمليه دفاعية» وقع «المفاجأة غير الودية» عشية بدء المبادرة الفرنسية.
ويقول أحد المتابعين إن الأوروبيين الذين تضايقوا من دينامية ساركوزي في الملف الجورجي يبدون كمن تعلم الدرس، ولن يسمحوا له باحتلال واجهة الحدث في الشرق الأوسط هذه المرة. ويجيب دبلوماسي فرنسي على هذا بقوله بأن هذه المنطقة هي «عتبة فرنسية من الناحية التاريخية والجيوستراتيجية»، وتحرك ساركوزي هنا يأتي «بعيداً عن طرح القطيعة» وفي سياق «عادات رؤساء فرنسا»، مذكراً بما فعله من «شارل ديغول إلى جاك شيراك» في كل مرة دخلت فيها المنطقة في عنف دموي.
وحسب مقربين من الإليزيه فإن الرئيس سوف يسعى للاستفادة من «صفة صديق إسرائيل»، رغم «المياه الباردة»، التي تلقاها بـ«رفض تسيبي ليفني» الهدنة المؤقتة التي انطلقت من باريس وسوف يحاول الضغط على تل أبيب لوقف «الأعمال الحربية» وتنفيذ «هدنة إنسانية». وتشير هذه الأوساط إلى «عدم وجود تنافس» بين تحرك ساركوزي وتحرك البعثة الوزارية الأوروبية، التي تضم، إضافة إلى شوارزنبرغ الذي تتولى بلاده رئاسة الاتحاد الاوروبي، السويدي كارل بيلد والفرنسي برنار كوشنير والمفوضة الأوروبية للعلاقات الخارجية بينيتا فيريرو فالدن، والتي تبدأ جولتها قبل ٢٤ ساعة.
وتعوّل أوساط مقربة من ساركوزي كثيراً على «زيارة دمشق» بسبب «دفء العلاقات بين باريس ودمشق» من جهة وبسبب اقتناع الدبلوماسية الفرنسية بالدور الذي يستطيع الرئيس بشار الأسد القيام به «وليس فقط بسبب إقامة خالد مشعل في دمشق»، كما صرّح مصدر دبلوماسي لـ«الأخبار»، مشيراً إلى أنه «يجب أن لا نختبئ وراء إصبعنا»، مستطرداً أنه بات في المنطقة «محوران يسيران على خطين متوازيين» ومن الصعب الوصول إلى حل من دون «الاتكاء على توافق متوازن للخطين».
وأضاف المصدر أن «ساركوزي يستطيع القيام بدور، ليس فقط لأنه صديق إسرائيل بل لأنه ساهم في إبراز قدرة سوريا على العمل من أجل السلام في الملف اللبناني»، مشيراً إلى أن «وقف التفاوض غير المباشر مع سوريا يمكن أن ينقلب على زعماء إسرائيل، لأن الأرقام في حوزتنا تشير إلى أن الشعب الاسرائيلي يحبذ هذه المفاوضات»، وهو ما تراه هذه الأوساط ورقة في يد ساركوزي. كذلك لم يستبعد المصدر «وجود أسباب انتخابية وراء التصلب الإسرائيلي».
ومن الأوراق الأخرى التي يحملها الرئيس الفرنسي إلى جانب ورقة التعاون مع دمشق، أوراق «الدور القطري والدور التركي»، وهي حسب أكثر من مصدر مؤثرة جداً رغم اعتراف البعض بأنها «يمكن أن تستفز مصر والسعودية».
ويأتي عدم التشديد على «الدور الذي يمكن لإيران أن تقوم به» في إطار «عدم زيادة الضغوط على القاهرة» التي تتهم طهران بالوقوف وراء «دفع حماس نحو المعركة»، كما «وصلت الأخبار إلى باريس»، حسب بعض المصادر، وهو ما يمكن أن يسمعه اليوم ساركوزي على طاولة الغداء التي ستجمعه مع الرئيس حسني مبارك قبل أن يلتقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله، لينتقل بعدها إلى القدس لتناول العشاء مع إيهود أولمرت.
أما في ما يتعلق بـ«آخر مفاصل الجولة» التي كانت مبرمجة قبل هذه الفورة القتالية، أي المحطة اللبنانية التي كانت مخصّصة في الأساس لمعايدة القوة الفرنسية العاملة في إطار اليونيفيل إضافة إلى لقاء مع الرئيس اللبناني ميشال سليمان، فقد توسع برنامجها قليلاً وعلمت «الأخبار» أن ساركوزي قد يلتقي الرؤساء الثلاثة في بعبدا ليعيد تأكيد «وقوف فرنسا إلى جانب التوافق اللبناني» ويتطرق إلى «ضرورة إبقاء لبنان بعيداً عن عاصفة غزة».
وفي هذا الإطار أكد مصدر دبلوماسي مطلع لـ«الأخبار» أن باريس «تستبعد أن ينساق حزب الله وراء الموجة العاطفية التي تجتاح الشارع العربي» وأن ساركوزي سوف يتناول الموضوع من ناحية عامة فقط.