التوغّل البرّي لا يزال في المناطق المفتوحة والمواجهات محدودة■ بندر يحذّر الأميركيّين من محاورة سوريا ويطلب تمديد ولاية عبّاس
■ «أخبار» مصريّة عن اتصالات لم تحصل مع قيادات المقاومة

«الهدف ليس مطاردة مطلقي الصواريخ في أمل عابث للعثور على آخر فوهة وتحطيمها، بل كسر روح المقاومة لدى حماس، بما يجبر المنظمة على الموافقة على تهدئة طويلة بشروط أكثر منطقية من ناحية إسرائيل». تكرار في إسرائيل لما يرونه «التوقعات المنطقية لهذه الحرب»

إبراهيم الأمين
حتى اللحظة، يبدو أن المرحلة «ب» من العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، تسير في السياق المراد منه تحقيق نتائج سياسية سريعة. وبحسب ما هو حاصل، فإن فشل الحملة الجوية والجرائم التي ارتكبت في الاسبوع الاول، في تحقيق أي نتائج سياسية او ميدانية، دفع بالحكومة الاسرائيلية الى الانتقال نحو المرحلة الثانية، التي يُطلق عليها في اسرائيل اليوم المرحلة «ب» والتي تقضي بانتشار القوات البرية على عمق 2 الى 3 كلم داخل القطاع ورفع وتيرة القصف العسكري ضد كل الاهداف، بغية الاستماع من جديد الى موقف قوى المقاومة. وإذا لم ترفع الراية البيضاء، فإن اسرائيل ستجد نفسها متورطة اكثر ومتجهة صوب المرحلة «ج»، وهي المرحلة الحاسمة لأنها تتطلب العمل في قلب الحقل لا عند اطرافه.
حاول الاسرائيليون الاستفادة بقوة من نتائج حرب تموز عام 2006. وربما كان الجيش الاكثر التزاماً: صمت وقلة تصريحات من جانب قيادته، إلغاء المؤتمرات الصحافية الاستعراضية التي كان دان حلوتس ومساعدوه يعشقون الظهور فيها يومياً، حتى غابي اشكينازي يحاول أن يكون الاكثر واقعية، وهو يخاطب قيادته السياسية بأنه يتصرف من موقع مهني، ولا يريد ان يعطي رأيه السياسي، وأنه جاهز كجيش ولديه ما يقوم به حسب الاوامر، لكنه يحتاج الى من يتحمل المسؤولية السياسية عن افعاله. حتى ان الاجراءات التفصيلية لدى الجيش اخذت شكلاً جديداً: في جيب كل ضابط نسخة عن توصيات لجنة فينوغراد. والامر يجري تحقيقه على هذا الصعيد. من عتاد جنود الاحتياط الذين شكوا في حرب لبنان من فوضى ونقص، الى مؤونة الطعام التي تبدو مجهزة لحرب قد تطول لاسابيع، الى الاجراءات الامنية التي تمنع الثرثرة على مستوى الضباط، ومنع التواصل الذي كان مفتوحاً مع رجال الصحافة وحتى مع السياسيين، وصولاً الى نوعية التنسيق القائم بين قطع الجيش كافة.
إلا أن كل ذلك لا يلغي الحقيقة الصعبة التي يخشاها جيش الاحتلال. ولذلك فإن الحرب النفسية التي أرادها مقدمة لتوغل قواته استندت الى بث صور لمئات الجنود يدخلون الى القطاع ومعهم عشرات الدبابات، علماً بأن العارفين على الارض يدركون ان هذه التحركات انما تحصل خارج القطاع، وان نقاط التوغل تقتصر على المناطق المفتوحة، او تلك التي تولت قوات الاحتلال خلال ثلاث سنوات تجريفها ومنع احد من أن يكون فيها، حتى عناصر المقاومة لم يقيموا فيها سوى نقاط للمراقبة ونصب بعض الأشراك والكمائن الناسفة، لكنها لا تصنف لدى واضعي الخطط بأنها مناطق قتال او مناطق مواجهة، وهو ما حال دون حصول مواجهات شاملة ومباشرة مع المقاومين، الذين يبدون حتى الساعات الاخيرة في وضع ميداني متماسك وقوي. وحتى الوحدة المكلفة اطلاق الصواريخ على الاراضي المحتلة تعمل بالوتيرة المطلوبة نفسها، وهو الامر الذي يعمّق النقاش داخل القيادتين السياسية والعسكرية في اسرائيل.
وفي ما خص المرحلة «ج» فإن الجيش الاسرائيلي يتحسب لشكل آخر من المواجهة، وهو يتوقع ان تعمل حماس ومعها قوى المقاومة على «مطاردة القوات الاسرائيلية بواسطة العمليات الفدائية، واللجوء الى الانفاق المفخخة ونار القناصة، ويعتقد أن هناك أكثر من مئة ناشط من متخرجي دورات من 45 يوماً في معسكرات التدريب في إيران سينسقون القتال ضد قوات الجيش الاسرائيلي».

بانتظار من يصرخ أولاً

وفي هذا السياق تبدو الوساطات السياسية قائمة على وقع الوضع الميداني. اميركا ابلغت العالم من خلال اتصالات دبلوماسية ومن خلال مجلس الامن انها لا تجد ان الوقت قد حان للتفاوض السياسي، وانها تريد منح اسرائيل المزيد من الوقت. وهي تعرف ان العملية البرية لم تحقق بعد هدف وقف سقوط الصواريخ على اسرائيل، وما تلقته اسرائيل من خلال القنوات الدبلوماسية ان حماس ومعها قوى المقاومة لم توافق على اي مقترح يكون لمصلحة اسرائيل. وفي المقابل، تتصرف اسرائيل كأنها ليست في الموقع الذي يلزمها الان بوقف اطلاق النار، بل هي تحاول وضع آليات للعمل، تهدف من خلالها إلى تحقيق جملة نتائج، لكن «الواقعية» التي دعت اليها لجنة فينوغراد، تحصر اهداف اسرائيل الفعلية الآن بالآتي:
اولاً: موافقة حماس غير المشروطة على تجديد الهدنة ووقف اطلاق النار.
ثانياً: وقف اطلاق الصواريخ والموافقة على آلية تمنع وصول المزيد منها الى غزة وتوقف كل اشكال التصنيع ومراكمة القدرات.
ثالثاً: فرض رقابة دولية على المعابر مع مصر والبحر لضمان عدم تسرب اسلحة الى غزة.
ووفق هذا التصور، يبدو ان في اسرائيل وفي بعض العواصم العربية والغربية ولا سيما واشنطن والقاهرة، من يرفض المبادرة التركية القائمة على اساس يقضي بتفعيل التهدئة من خلال ضمان رفع دائم للحصار وعدم رهن هذه الخطوات بالوضع الفلسطيني الداخلي، دون حسم الموقف من مسألة ارسال مراقبين دوليين.
وفي هذا السياق حاول فريق الاستخبارات المصرية اختبار الموقف، وبعدما واجه رفضاً للتجاوب مع طلباته من قيادات المقاومة في الخارج، حاول الاتصال بقيادات في قطاع غزة، ولكنه فوجئ بأن الموقف كان اكثر تشدداً وأنه لا يمكن الموافقة على اي طلب يندرج عملياً ضمن طلبات اسرائيل.
وعقدت قيادات في حركة حماس والجهاد الاسلامي وقيادات فلسطينية اخرى اجتماعات خلال الساعات الماضية بلورت خلالها اطاراً عاماً للتفاوض، يستند اولاً الى ان الوضع الميداني ليس صعباً وبالتالي هناك امكانية كبيرة للصمود. ويتطلب وقفاً فورياً لكل العدوان ورفع الحصار كشرط اساسي لوقف اطلاق الصواريخ، ورفض محاولة تولي محمود عباس ادارة المفاوضات.
وحسب ما هو ظاهر ومن خلال الاتصالات الجارية مع الجانب الفرنسي ومع الجانب التركي، فإن حصيلة موقف قوى المقاومة هي في تحقيق تفاهم نيسان جديد، مع رفض لفكرة نشر مراقبين دوليين تكون مهمتهم تحقيق الامن لاسرائيل ولكن من خلال آليات تفرض حصاراً على الفلسطينيين وتمنعهم من تعزيز قواهم العسكرية وغيرها. وقد قيل كلام صريح في هذا المجال للجانبين التركي والفرنسي.
إلا أن ذلك ليس نهاية المطاف، لان الجانب الفرنسي لا يبدو مقتنعا حتى اللحظة بكل ما يعرضه ممثلو المقاومة، ويقول الفرنسيون المتابعون للملف، ان اسرائيل لا تظهر الان استعداداً لمثل هذا الامر، علماً بأن الطرح الاخر الذي تحدث عن اصدار قرار دولي بشأن الوضع على طريقة القرار 1701 ليس امراً محسوماً حتى عند اسرائيل، اذ ان ايهود باراك لا يزال ينتقد القرار المذكور ويعتبره غير ذي فائدة بدليل تعاظم قوة حزب الله، بينما لا تبدو وزيرة الخارجية تسيبي ليفني في موقع يقدر على فرض توجه من هذا القبيل، اما ايهود اولمرت فهو يصمت لان كل ما يريده الان انجاز يلمع صورته القاتمة منذ حرب تموز في لبنان.
بندر وتكثيف مواجهة قوى التطرّف»
وفي سياق التورط العربي في المعركة ضد قوى المقاومة في فلسطين ولبنان، كشف تقرير خاص وصل الى جهات عربية بارزة ان رئيس مجلس الامن القومي في السعودية الأمير بندر بن سلطان زار العاصمة الأميركية واشنطن في الأسبوع الثاني من كانون الأول الماضي، وعقد سلسلة اجتماعات مع مسؤولين في ادارة الرئيس جورج بوش وفريقه الذي يترك الادارة الاميركية حالياً، وكذلك مع عدد من مساعدي الرئيس الجديد باراك اوباما، ومع قيادات يتوقع ان يكون لها دور استشاري في المرحلة المقبلة.
وحسب التقرير فإن بندر حرص في هذه الاجتماعات على تقديم تصور عن طريقة مقاربة حكومة بلاده لملفات ساخنة قائمة الان في المنطقة، ويفترض ان تكون على جدول اعمال الادارة الجديدة. وهو قال مرتاحاً ان ما يقوله يمكن ان يمثل وجهة نظر كل دول الخليج العربي اضافة الى مصر والأردن والسلطة الفلسطينية وقوى 14 آذار في لبنان.
ووفق التقرير فإن الامير السعودي رتّب اولويات من يمثل بالآتي:
اولاً - الملف النووي الإيراني:
يجب ان يندرج ضمن أولويات الإدارة القادمة بالنظر لدرجة الخطورة التي ينطوي عليها وما يحمله من تهديد لدول الخليج وللمصالح الأميركية في المنطقة. وقد انتقد بندر ادارة الرئيس بوش لأنها تكلمت كثيراً وفعلت قليلاً ولأنها لم تتخذ الإجراءات المطلوبة والضرورية للقضاء على طموحات إيران النووية واكتفت بإجراء عقوبات شكلية لا تؤثر أو تعوق مسار حيازة السلاح النووي.
ثانياً - الملف السوري:
حذر بندر المسؤولين في الادارة الجديدة من مشروع الانفتاح على سوريا وطالبها بتكثيف جهودها لمنعها من العودة إلى المجتمع الدولي وإخراجها من العزلة على غرار ما فعلته فرنسا. وبيّن للمسؤولين في إدارة أوباما أنه لا بد من إحداث تغيير داخلي في سوريا لأن النظام السوري يواجه معضلات في الداخل وصراعات داخلية، وأنه على ثقة بأن النظام كان على وشك السقوط لولا التدخل الفرنسي والأوروبي وتركيا التي هيّأت فرصاً سياسية للنظام لكي يخفف من وطأة الحصار والعزلة عن طريق إحياء المسار التفاوضي بين دمشق وتل ابيب وتفعيله.
ثالثاً - الملف الفلسطيني:
شدد بندر على أهمية أن تولي الإدارة الأميركية القادمة اهتماماً خاصاً لتفعيل المسار التفاوضي الفلسطيني ـــــ الاسرائيلي انطلاقاً من الذي تحقق حتى الان، وهو اقترح لذلك مجموعة من الخطوات ابرزها:
1 - إصدار قرار من مجلس الامن يقضي بدعم المفاوضات بين الطرفين ومتابعتها (وهو ما حدث عبر القرار 1850 الذي صدر قبل أيام والذي كان للسعودية دور مهم في طرحه).
2 - إعطاء دفعة قوية لما اتخذ من تفاهمات في «أنابوليس» حتى تكون الأولوية لهذا المسار لأن الوصول إلى تسوية للصراع سينزع فتيل التوتر في المنطقة ويحاصر القوى الراديكالية الفلسطينية واللبنانية التي لا تريد تسوية سلمية لهذا الصراع.
3 - دعم سلطة الرئيس محمود عباس الذي قد يواجه وضعاً صعباً إن لم تحقق نتائج عملية على المسار التفاوضي وتبنّي موقف داعم لتمديد ولاية عباس لتعزيز مركزه الذي يتهدده الخطر.
الى جانب ذلك، اكد بندر ان الضغوط على ايران وسوريا ودعم سلطة عباس من شأنهما توجيه ضربات الى القوى الميدانية التي تستند اليها هذه الدول، قاصداً حزب الله في لبنان وحركة حماس والجهاد الاسلامي في فلسطين.


إهانة إسرئيل لتركياوهو قال ما صرح به لاحقاً بأنه شعر بالاهانة لأنه سأل نظيره الاسرائيلي عن الاوضاع ولم يشر الاخير الى نية حكومته شنّ حرب على غزة.
وكان واضحاً ان اردوغان مهتم بإظهار غضب الشارع التركي من هذا السلوك اضافة الى التضامن مع اهالي غزة.