في عيتا الشعب، ومارون الراس، يراقب أهالي البلدتين من أصحاب الخبرة في مواجهة الجيش الإسرائلي خلال اجتياح تموز 2006، تطور العدوان على غزة وأسلوب المقاومين هناك في المواجهة، متمنّين أن لا يبقى انتصار تموز يتيماً، وأن يحصلوا على زمالة منتصرين جدد، يهزمون العدو للمرة الثانية على أرض عربية. وهم من أجل ذلك، لا يتورّعون عن إسداء النصح المستوحى من خبرتهم
عيتا الشعب ــ آمال خليل
بنت جبيل ــ داني الأمين
يجلس حسن جواد نافخاً النرجيلة ومستمتعاً بشمس الصباح عند شرفة منزله. فهو اختار أن يعمر بيته الجديد، بديلاً عن الذي دمر خلال عدوان تموز «عند أجمل وآخر نقطة» في البلدة، حيث يهنأ بهدوء «جيرانه» في الجهة المقابلة: مواقع البياض والراهب والحدب الإسرائيلية، وموقع خلة وردة.
وفي هذه الأيام خصوصاً، يصف حسن نفسه بأنه «حارس حدود عيتا مع زوجتي وطفلتي إذا ما ارتكب العدو حماقة ثانية وفكّر في الدخول إليها»، كما يقول معلّقاً على ما يجري اليوم في غزة، وما يثار من «تخوفات» يتداولها الرأي العام والإعلام في ضوء الاجتياح البري للقطاع المحاصر بين معابره العربية والعبرية، وخصوصاً ما يجري تناقله عن حشد آلاف الجنود الإسرائيليين من الاحتياط والتحضير لإمكان فتح الجبهة الشمالية مع لبنان.
فعلى مرمى حجر «أو عبوة أو صاروخ على ما سيكون إذا ما صدقت الروايات الإسرائيلية» يقول الرجل، تقع خلة وردة التي كانت النقطة التي دخل منها الجنود الإسرائيليون ودبابات الميركافا قبل أن يحاولوا الزحف إلى بعض القرى المحيطة طمعاً بتنفيذ اجتياح بري عام 2006.
لكن حسن، ويوافقه العديدون من سكان عيتا، يستبعدون «تكرار مشهد الدخول الإسرائيلي البري». وهم يظنون أنه «إن حصل ذلك، في أسوأ الاحتمالات، فلن يكون كما في عدوان تموز من بوابة خلة وردة» كما يؤكد حسن. فحسب تحليله «العدو بات يدرك تماماً ما الذي ينتظره هنا».
وفي هذا السياق، يردد الأهالي ما نقله أحد أبناء البلدة الأسير المحرر محمد سرور، الذي اعتقل مرات عدة كان آخرها بعيد انتهاء العدوان، عن الضابط الإسرائيلي الذي حقق معه بأن «إسرائيل قد تقدم على عقد صلح مع العالم كله إلّا مع عيتا الشعب».
وعلى الرغم من المعنويات العالية، إلا انه في أحياء البلدة التي لا تزال في طور النهوض من الدمار، قد تفضح العيون المتعبة بعض الخشية من عدوان إسرائيلي جديد.
لكن الألسنة المتحدة في خطاب رسمي واحد سريعاً ما تسعى إلى تبديد هذا الانطباع مؤكدة حماسة عيتا الشعب لأي مواجهة قد تفرض عليها. وعلى مقولة «تعبنا من الحروب وبدنا نعيش»، يعلق الكثيرون بأنها منطقية يرددها البعض «بس مش بعيتا الشعب». ولأن المعركة في غزة والعين على الجنوب وحزب الله، فإن الحركة المكثفة الواضحة في البلدة حيناً، والمقنعة تحت جنح الظلام أحياناً كثيرة، تؤكد أن الأيدي جاهزة على الزناد.
من جهتها، تقول خديجة منصور التي عايشت الاعتداءات الإسرائيلية منذ بداية السبعينيات وصمدت وعائلتها في عيتا خلال العدوان الأخير لأكثر من ثلاثة أسابيع «نحن أكثر من يشعر بما يحصل الآن في غزة. لكننا ندرك أكثر أن ثمن النصر الذي دفعناه من عمرنا ودمنا وجيوبنا طويل الأمد، وهذا مبعث اطمئناننا من عدوان جديد».
لكن عيتا ترمي نظرها إلى ما بعد العدوان على غزة «حينما تصبح غزة مغارة علي بابا، تنهال عليها المساعدات الدولية ومشاريع إعادة الإعمار، ودوامة التعويضات وصرفها، وتسجيل الوحدات الوهمية إذا لم يجدوا لهم واهباً مثل قطر يتبنّى إعمارها كما تفعل في عيتا».
مارون الراس تراقب أيضاً وفي مارون الراس، التي عاشت المواجهات حتى اللحظة الأخيرة في عدوان تموز، يراقب أبناء البلدة غزّة من موقع الذي عايش التجربة نفسها.
فقد تعرضت القرية للقصف والهجوم البرّي، واستطاع أهلها أن يراقبوا اندحار الجيش الإسرائيلي. تختلف البلدة اليوم عمّا كانت عليه بعد حرب تموز 2006، فقد أعيد بناء أغلب منازلها ومسجديها الكبيرين ومدرستها الرسمية، حتى أصبحت أفضل حالاً عمّا كانت عليه قبل الحرب. يرى أبناء البلدة أن الحرب الحقيقية لم تبدأ بعد «فالأيام الأصعب جرى تجاوزها، وقد جاء دور المقاومين بوصول أول دبابة إسرائيلية إلى داخل غزّة».
أحمد فارس، أحد شبّان مارون الرّاس الذين صمدوا طوال فترة الحرب، يرى أنه عند وصول العدو إلى أرض المعركة سيعرف الهزيمة، «رأيت الجنود الإسرائيليين عن قرب عند وصولهم إلى البلدة، كانوا يتقدمون مسرعين ومتحمسين. وعند خروجهم ولّوا مدبرين يمشون القهقرى حاملين المصابين والقتلى». ويرى فارس أنه كل ما قتل أحد «الجنود الإسرائيليين سيتراجعون أكثر. القتل هو الذي سيوقفهم».
ويقول فارس «على المقاومين أن يلتحموا بالجنود، لقد رأينا عشرات منهم يختبئون كالجبناء ويطلقون النار عشوائياً، ما سهّل على المقاومين قتلهم، وعليهم أن يثقو بقادتهم». وينصح أحمد فارس أبناء غزّة «بضرورة تفخيخ المنازل الأمامية، لأن الجنود الإسرائيليين يختبئون في المنازل الواقعة في أطراف المعركة».